للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قومك فقل: إن الله ذكر بكم (١) صلاح آبائكم، فحمله ذلك على أن يَسْتَتيبَكم يا معشرَ الأبناء. وسَلْهم كيف وجد آباؤهم مغبَّةً طاعتى، وكيف وجَدوا هم مغبَّةَ معصيتى، وهل علموا أن أحدًا قبلَهم أطاعنى فشَقِى بطاعتى، أو عصاني فسعد بمعصيتى، فإن الدوابَّ مما تذكُرُ أوطانَها الصالحةَ، فتنتابُها، وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهَلكة؛ أما أحبارُهم ورهبانُهم فاتخَذوا عبادى حَوَلًا ليعبدوهم دونى وتحكَّموا فيهم بغير كتابي حتى أجهَلوهم أمرى، وأنسَوْهم ذكرى، وغرُّوهم منى؛ أما أمراؤهم وقادتُهم فبطروا نعمتى، وأمنوا مكرى، ونَبَذُوا كتابي، ونسُوا عهدى، وغيَّروا سنَّتى، فادّان لهم عبادى بالطاعة التي لا تنبغى إلا لى، فهم يُطيعونهم في معصيتى، ويُتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني جرأةً عليَّ وغِرّةً، وفِرْيَةً عليَّ وعلى رسلي، فسبحان جلالي وعلوِّ مكاني، وعظمة (٢) شأني، فهل يَنبِغى لبشرٍ أن يُطاعَ في معصيتى، وهل ينبغى لى أن أخلُقَ عبادًا (٣) أَجعَلُهم أربابًا من دوني؟! وأما قراؤهم وفقهاؤهم فيتعبَّدون في المساجد، ويتزيَّنون بعمارتها لغيرى؛ لطلب الدنيا بالدين، ويتفقَّهون فيها لغير العلم، ويتعلَّمون فيها لغير العمل؛ وأما أولادُ الأنبياء، فمَكْثُورون (٤) مقهورون مُغيِّرون (٥)، يخوضون مع الخائضين، ويتمنَّون عليَّ مثلَ نُصرة آبائهم والكرامة التي أكرَمتُهم بها، ويزعُمون أن لا أحد أولي بذلك منهم منى، بغيرِ صدقٍ ولا تفكُّرٍ ولا تدبُّرٍ، ولا يذكرون كيف كان نصرُ (٦) آبائهم لى، وكيف كان جدُّهم في أمرى حينَ غيَّر المُغيِّرون، وكيف بذَلوا أنفسَهم ودماءَهم،


(١) في م: "لكم".
(٢) في م: "عظم".
(٣) في ت ١: "عبادًا".
(٤) في م: "فمكثروه". والمكثور: المغلوب. وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه. التاج (ك ث ر).
(٥) في ص، ت ٢، ف: "معبرون". وفى م، ت ١: "مغيرون". وأثبتناه كما في التاريخ.
(٦) في م: "صبر".