للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما بلَغ ذلك أمَّها، قالت لها: إذا دخَلتِ على الملكِ فسأَلكِ حاجتَك، فقوله: حاجتى أن تذبحَ لى يحيى بنَ زكريا. فلما دخَلت عليه سأَلها حاجتَها، فقالت: حاجتي أن تذبحَ يحيى بنَ زكريا. فقال: سلى غيرَ هذا. فقالت: ما أسألُكَ إلا هذا. قال: فلما أبَت عليه دعا يحيى ودعا بطَستٍ فذبَحه، فبدَرت قطرةٌ من دمِه على الأرضِ، فلم تزَلْ تَغلِى حتى بعَث اللَّهُ بختنصرَ عليهم، فجاءته عجوزٌ مِن بنى إسرائيلَ، فدلَّته على ذلك الدمِ. قال: فألقى اللَّهُ في نفسِه أن يقتلَ على ذلك الدمِ منهم حتى يَسكُنَ، فقتل سبعين ألفًا مِنهم مِن سنٍّ واحدٍ، فسكَن (١).

وقولُه: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. يقولُ: ولِيَدخُلَ عدوُّكم الذي أبعَثُه عليكم مسجدَ بيتِ المقدسِ قهرًا منهم لكم وغلبةً، كما دخَلوه أوَّلَ مرَّةٍ حينَ أفسَدتم الفسادَ الأوَّلَ في الأرضِ.

وأما قولُه: ﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾. فإنه يقولُ: وليُدمِّروا ما غلَبوا عليه من بلادِكم تدميرًا. يقالُ منه: دمَّرتُ البلدَ: إذا خرَّبتَه وأَهَلَكتَه (٢). وتبِر تَبْرًا وتَبَارًا، وتَبَّرتُه أتبِّرُه تتبيرًا. ومنه قولُ اللَّهِ تعالى ذكرُه: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: ٢٨]. يعني: هلاكًا.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٥٨٦ سندًا ومتنًا. وأخرجه ابن عساكر ١٨/ ١٠١ - مخطوط - من طريق أبى معاوية به، وفيه أنها كانت ابنة أخته، وأنهم نهوا عن نكاح ابنة الأخت.
قال ابن كثير في تفسيره ٥/ ٤٥: وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها. ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه، لجاز كتابته وروايته، والله أعلم.
(٢) في م: "أهلكت أهله".