للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا محمدُ بنُ عوفٍ، قال: ثنا حَيْوةُ وربيعٌ، قالا: ثنا محمدُ بنُ حربٍ، عن الزُّبَيْدِيِّ، عن الزهريِّ، عن عبدِ الرحمنِ بن كعبِ بن مالكٍ، عن كعبِ بن مالكٍ، أن رسولَ اللَّهِ قال: "يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامةِ، فأكونُ أنا وأمَّتِى على تَلٍّ، "فيَكْسُونِي ربى ﷿ حُلَّةً خضراءَ، ثم يؤذَنُ لى فأقُولُ ما شاء اللَّهُ أن أقولَ، فذلك المقامُ المحمودُ" (١).

وهذا وإن كان هو الصحيحَ من القولِ في تأويلِ قولِه: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾. لِمَا ذكَرنا من الروايةِ عن رسولِ اللَّهِ وأصحابِه والتابِعين، فإنَّ ما قالَه مجاهدٌ مِن أنَّ اللَّهَ يُقعِدُ محمدًا على عرشِه، قولٌ غيرُ مدفوعٍ صحَّتُه، لا مِن جهةِ خبرٍ ولا نظَرٍ؛ وذلك لأنَّه لا خبرَ عن رسولِ اللَّهِ ، ولا عن أحدٍ من أصحابِه، ولا عن التابِعين، بإحالةِ ذلك؛ فأمَّا مِن جهةِ النَّظرِ، فإِن جمِيعَ من ينتَحِلُ الإسلامَ إنَّما اختلَفوا في معنَى ذلك على أوجهٍ ثلاثةٍ؛ فقالت فرقةٌ مِنهم: اللَّهُ ﷿ بائنٌ من خلقِه، كان قبلَ خلْقِه الأشياءَ، ثم خلَق الأشياءَ فلم يماسَّها، وهو كما لم يزَلْ، غيرَ أنَّ الأشياءَ التي خلَقها، إذ لم يكنْ هو لها مُماسًّا، وجَب أن يكونَ لها مُبايِنًا، إذ لا فعَّال للأشياءِ إلا وهو مماسٌّ للأجسامِ أو مُباينٌ لها. قالوا: فإذ كان ذلك كذلك، وكان اللَّهُ ﷿ فاعلَ الأشياءِ، ولم يجُزْ أن يُوصَفَ في قولِهم بأنَّه مماسٌّ للأشياءِ، وجَب بزعمِهم أنَّه لها مباينٌ.

فعلى مذهبِ هؤلاء سواءٌ أقعَد (٢) محمدًا على عرشِه أو على الأرضِ، إذ


= على به مختصرا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٩٧ إلى سعيد بن منصور وابن مردويه.
(١) أخرجه أحمد ٢٥/ ٦١ (١٥٧٨٣)، وابن حبان (٦٤٧٩)، والحاكم ٢/ ٣٦٣، من طريق محمد بن حرب به. وينظر ما تقدم في ص ٤٨.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "قعد".