للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أن مَخرجَ التاءِ مِن طرفِ اللسانِ وأصولِ الثَّنيَّتَيْنِ (١)، ومَخرجَ الدالِ مِن طرفِ اللسانِ وأطرافِ الثَّنيَّتَيْنِ - فأُدْغِمَتِ التاءُ في الدالِ، فجُعِلَت دالًا مُشدَّدةً، كما قال الشاعرُ (٢):

تُولِى الضَّجِيعَ إذا ما اسْتافَها (٣) خَصِرًا (٤) … عَذْبَ المَذَاقِ إذا ما اتَّابَعَ القُبَلُ

يُرِيدُ: إذا ما تَتَابَعَ القُبَلُ. فأدْغَم إحدى التاءَيْن في الأخرى.

فلما أُدْغِمَتِ التاءُ في الدالِ، فجُعِلَت دالًا مثلَها سكَنَت، فجلَبوا (٥) ألفًا ليَصِلوا إلى الكلامِ بها، وذلك إذا كان قبلَه شيءٌ؛ لأنَّ الإدْغامَ لا يَكونُ إلَّا وقبلَه شيءٌ، ومنه قولُ اللهِ جل ثناؤُه: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ٣٨]. إنما هو: تَدَارَكوا. ولكنَّ التاءَ منها أُدْغِمَت في الدالِ، فصارَت دالًا مُشَدَّدةً، وجُعِلَت فيها ألفٌ -إذا وُصِلَت بكلامٍ- قبلَها ليَسْلَمَ الإدغامُ. وإذا لَمْ يَكُنْ قبلَ ذلك ما يُواصِلُه، وابْتُدِئَ به، قيل: تَدَاركوا وتَثاقَلوا. فأظهَروا الإدغامَ. وقد قيل: يقالُ: ادَّارَكوا وادَّارَأوا.

وقد قيل: إن معنى قولِه: ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾: فتدافَعْتُم فيها. مِن قولِ القائلِ: درَأْتُ هذا الأمرَ عنى. ومِن قولِ اللهِ: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ [النور: ٨]. بمعنى: يَدفَعُ عنها العذابَ.

وهذا قولٌ قريبُ المعنى مِن القولِ الأولِ؛ لأنَّ القومَ إنما تَدافَعوا قَتْلَ قَتيلٍ،


(١) في م: "الشفتين".
(٢) البيت في معانى القرآن للفراء ١/ ٤٣٨.
(٣) في م، ت ٢: "اشتاقها"، وفى ت ١، ت ٣: "استاقها"، والمثبت من معانى القرآن، واستافها: شمها. التاج (س و ف).
(٤) الخصر: البارد من كلِّ شيء، ويريد هنا ريقها. التاج (خ ص ر).
(٥) في ت ١: "يجعلها"، وفى ت ٢، ت ٣: "فجعلنا".