للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عيسى ابن مريم؛ كان يَنزِلُ [في قُرى الروم] (١)، ولا يَترُكُ في قريةٍ يَنزِلُها أحدًا ممَّن يدينُ بدين عيسى ابن مريم إلا قتله (٢)، حتى يعبُد الأصنام، ويذبَحَ للطَّواغيت (٣)، حتى نزَلَ دقيانوسُ مدينة الفتية أصحاب الكهفِ (٤)، فَلَمَّا نزلها دَقْيانوس (٥) كَبُر ذلك على أهل الإيمان، فاستَخْفُوا منه وهربوا في كلِّ وجهٍ. وكان دَقْيانوسُ قد أَمَرَ حِينَ قدِمَها أَن يُتَّبَعَ أهلُ الإيمان فيُجمعوا له، واتَّخَذ شُرَطًا مِن الكُفَّارِ مِن أهلها، فجعلوا يَتَّبِعون أهل الإيمان في أماكنهم التي يَسْتَخفُون فيها، فىَسْتَخْرِجونهم إلى دقيانوس، فيُقَدِّمُهم إلى المجامع التي يُذبَحُ فيها للطَّواغيت، فيُخَيِّرُهم بين القتل، وبين عبادة الأوثان والذبح للطَّواغيت، فمنهم مَن يرغَبُ في الحياةِ ويَفْظَعُ بالقتل (٦)؛ فيفْتَتِنُ، ومنهم مَن يَأْبَى أَن يعبد غيرَ اللَّهِ؛ فيُقْتَلُ، فَلَمَّا رأى ذلك أهلُ الصلابة مِن أهل الإيمان بالله، جعلوا يُسْلِمون أنفسهم للعذابِ والقتل، فيقتلون ويُقَطَّعون، ثم يُربط ما قُطِّع مِن أجسادِهم، فيُعلَّق على سور المدينة من نواحيها كلِّها، وعلى كل باب من أبوابها، حتى عظُمَتِ الفتنةُ على أهل الإيمان، فمنهم من كفَر فتُرِك، ومنهم مَن صَلْب (٧) على دينه فقُتِل. فلَمَّا رأى ذلك الفتيةُ أصحاب الكهف، حزنوا حُزْنًا شديدًا، حتى تغيَّرَتْ ألوانهم، ونَحَلَتْ أجسامُهم، واستعانوا بالصلاة والصيام والصدقة، والتَّحميد والتَّسبيح، والتَّهليل [والتكبير] (٨)، والبكاء والتَّضرُّع إلى الله. وكانوا فِتْيَةً أَحْداثًا أحرارًا مِن أبناء


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "قرى في"، وفى عرائس المجالس وتفسير البغوي: "قرى".
(٢) في تفسير البغوي: "فتنه".
(٣) بعده في تفسير البغوي: "أو قَتَلَه".
(٤) بعده في عرائس المجالس وتفسير البغوي: "وهى أفسوس".
(٥) في م، ت ١، ت ٢: "دقينوس".
(٦) يَفْظعُ بالقتل: فظع بالأمر فَظَعًا: ضاق به ذَرْعًا، واشتدَّ عليه وهابه. ينظر تاج العروس (ف ظ ع).
(٧) في ت ١: "بقى".
(٨) ليس في: ص.