للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذا. إذا افتعلتَه وتَخرَّصْتَه. ومنه الخبرُ الذى رُوِىَ عن عثمانَ بنِ عفانَ : ما تَعَتَّيْتُ (١) ولا تَمَنَّيْتُ (٢). يعنى بقولِه: ما تمنيتُ: ما تخرّصتُ الباطلَ ولا اخْتَلَقْتُ الكذبَ والإفْكَ.

والذى يَدُلُّ على صِحَّةِ ما قُلنا في ذلك وأنه أَوْلَى بتأويلِ قولِه: ﴿إِلَّا أَمَانِيَّ﴾. من غيرِه من الأقوالِ، قولُ اللهِ جل ثناؤه: ﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾. فأخبَر عنهم جلَّ ثناؤُه أنهم يتمنَّوْن ما يتمنَّوْن من الأكاذيبِ ظنًّا منهم لا يقينًا، ولو كان معنى ذلك أنهم يَتْلونه، لَمْ يكونوا ظانِّين، وكذلك لو كان معناه: يَتشهُّونه؛ لأنَّ الذى يَتْلوه إذا تَدَبَّره عَلِمه، ولا يَسْتَحِقُّ الذى يَتْلو كتابًا قرَأه وإن لَمْ يَتَدَبرْه بتَرْكِه التدبيرَ أن يقال: هو ظانٌّ لما يَتْلو. إلَّا أن يكونَ شاكًّا في نفسِ ما يَتْلوه لا يَدْرِى أحقٌّ هو أم باطلٌ؟ ولم يكنِ القومُ الذين كانوا يَتْلون التوراةَ على عصرِ نبيِّنا محمدٍ من اليهودِ فيما بلَغَنا شاكِّين في التوراةِ أنَّها من عندِ اللهِ، وكذلك المتمنِّى الذى هو في معنى المتشهِّي، غيرُ جائزٍ أن يقالَ: هو ظانٌّ (٣) تَمَنِّيَه. لأنَّ التَّمَنِّىَ من المتمنِّى إذا تمنَّى ما قد وُجِدتْ (٤) عينُه، فغيرُ جائزٍ أن يقالَ: هو شاكٌّ فيما هو به عالمٌ؛ لأنَّ العلمَ والشكَّ معنيان يَنْفِى كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه لا يجوزُ اجتماعُهما في جُزْءٍ (٥) واحدٍ، والمتمنِّى في حالِ تمنِّيه موجودٌ [تَمنِّيه، فغيرُ] (٦) جائزٍ أن يقالَ: هو يَظُنُّ تمنِّيَه. وإنما


(١) في م، ت ٢: "تغنيت"، وفى ت ١، ت ٣: "تعنيت". والصواب ما أثبتناه. وعتا يعتو عتوًّا وعتيًّا: استكبر وجاوز الحد. اللسان (ع ت و).
(٢) أخرجه محمد بن عائذ الدمشقى -كما في البداية والنهاية ١٠/ ٢٩٦، ٢٩٧ - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (ص ٢٣، ٤٢٩ - ترجمة عثمان، طبعة مجمع اللغة بدمشق) - والفسوى في تاريخه ٢/ ٤٨٨، وفيه قصة.
(٣) بعده في م: "في".
(٤) في م: "وجد".
(٥) في م: "حيز".
(٦) في م: "غير". وينظر التبيان ١/ ٣٢٠.