للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾. والأمانيُّ من غيرِ نوعِ الكتابِ، كما قال ربُّنا جلَّ ثناؤُه ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧]. والظنُّ من العلمِ بمَعْزِلٍ، وكما قال: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: ١٩، ٢٠]. وكما قال الشاعرُ (١):

(*) ليس بينى وبين قيسٍ عتابٌ … غيرَ طَعْنِ الكُلَى وضَرْبِ الرِّقابِ

وكما قال نابغةُ بنى ذُبْيانَ (٢):

حلَفْتُ يمينًا غيرَ ذى مَثْنوِيَّةٍ (٣) … ولا عِلْمَ إلَّا حُسْنَ ظَنٍّ بصاحبِ (٤)

في نظائرَ لما ذكرْنا يطولُ بإحصائِها الكتابُ.

ويَخْرُجُ بـ "إلَّا" ما بعدها من معنى ما قبلها، ومن صفتِه، وإن كان كلُّ واحدٍ منهما من غيرِ شكلِ الآخرِ ومن غيرِ نوعِه، ويسمِّى ذلك بعضُ أهلِ العربيةِ استثناءً منقطِعًا، لانقطاعِ الكلامِ الذى يأتى بعد "إلَّا" عن معنى ما قبلها، وإنما يكونُ ذلك كذلك في كلِّ موضعٍ حَسُنَ أن يوضعَ فيه مكانَ "إلَّا" "لكن"، فيُعْلَمُ حينئذٍ انقطاعُ معنى الثانى عن معنى الأولِ، ألا ترى أنك إذا قلْتَ: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾. ثم أردْتَ وَضْعَ "لكن" مكانَ "إلَّا" وحَذْفَ


(١) البيت لعمرو بن الأيهم بن أفلت التغلبي، وهو في الوحشيات ص ٤٢، ومعجم الشعراء ص ٧٠، وسمط اللآلى ١/ ١٨٤.
(*) إلى هنا ينتهى الخرم الذى في الأصل. والذى بدأ في أثناء ص ٥٧.
(٢) ديوان النابغة ص ٥٥.
(٣) حلفة غير ذات مثنوية: أى غير مُحَلَّلة. اللسان (ث ن ى).
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بغائب". وهى رواية ابن السكيت، وأما الذى في الأصل فهو رواية الأصمعي وينظر ديوان النابغة برواية ابن السكيت ص ٥٥ وديوان النابغة بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم ص ٤١.