للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإخْفاءِ في هذا الموضِعِ إلى الإِظْهَارِ على ما ذكَروا من سَماعِهم هذا البيتَ، على ما وصَفْتُ مِن ضمِّ النونِ من: نُخْفِه.

وقد أَنْشَدَنِي الثِّقَةُ عن الفرَّاءِ (١):

* فإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِه *

بفتحِ النونِ من: نَخْفِه، من: خَفيتُه أَخْفيه. وهو أولى بالصوابِ؛ لأنَّه المعروفُ مِن كلامِ العربِ. فإذ كان ذلك كذلك، وكان الفتحُ في الألفِ مِن "أَخْفيها" غيرَ جائزٍ عندَنا؛ لِما ذَكَرْنا، ثَبَتَ وصَحَّ الوَجْهُ الآخرُ، وهو أن معنى ذلك: أكادُ أَسْتُرُها مِن نَفْسِى.

وأما وَجْهُ صحةِ القولِ في ذلك، فهو أنَّ الله تعالى ذكْرُه خاطَب بالقرآنِ العربَ على ما يَعْرِفُونَه من كلامِهم، وجرَى به خطابُهم بينهم، فلمَّا كان معروفًا في كلامِهم أن يقولَ أحدُهم إذا أراد المبالغةَ في الخبرِ عن إخْفَائِه شيئًا هو له مُسِرٌّ: قد كِدْتُ (٢) أُخْفِى هذا الأمرَ عن نَفْسِي من شدَّةِ اسْتِسْرارِى به، ولو قدَرتُ أن أُخْفِيَه من نَفْسِى أَخْفَيتُه. خاطَبهم ﷿ على حسَبِ ما قد جرَى به استِعْمالُهم في ذلك من الكلامِ بينَهم، وما قد عرَفوه في مَنطِقِهم. وقد قيل في ذلك أقوالٌ غيرُ ما قُلنا. وإنما اخْتَرْنا هذا القولَ على غيرِه من الأقوالِ لموافقتِه أقوالَ أهلِ العلمِ من الصَّحابةِ والتَّابِعين؛ إذ كُنَّا لا نستَجِيزُ (٣) الخلافَ علَيهم فيما اسْتَفاضَ القولُ به مِنهم، وجاء عنهم مجيئًا (٤) يقطَعُ العذرَ. فأما الذين قالوا في ذلك غيرَ ما قلنا ممّن قال فيه على


(١) معاني القرآن ٢/ ١٧٧.
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف، م: "أن".
(٣) في ص، ف: "نحسن"، وفي ت ١: "نجيز".
(٤) في ص، ف، ت ١: "هنا".