للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشدَّةٍ ولم تجرِّبْه ببلاءٍ، وأنا لك زَعيمٌ لئن ضربتَه بالبلاءِ ليكفُرَنَّ بك ولينسَينَّك، وليعبُدَنَّ غيرَك. قال اللهُ له: انطلِقْ فقد سلَّطتُك على مالِه، فإنه الأمرُ الذي تزعُمُ أنه من أجلِه يشكُرُنى، ليس لك سلطانٌ على جسدِه، ولا على عقلِه. فانقَضَّ عدوُّ الله حتى وقَع على الأرضِ، ثم جمَع عفاريتَ الشياطينِ وعظماءَهم، وكان لأيوبَ البَثَنِيةُ (١) من الشامِ كلِّها بما فيها من شرقِها وغربِها، وكان له بها ألفُ شاةٍ برُعاتِها وخمسُمائةِ فدَّانٍ (٢) يَتْبَعُها خمسُمائةِ عبدٍ، لكلِّ عبدٍ امرأةٌ وولَدٌ ومالٌ، ويحمِلُ آلةَ كلِّ فدانٍ أتانٌ، لكلِّ أتانٍ ولدٌ من اثنين وثلاثةٍ وأربعةٍ وخمسةٍ وفوقَ ذلك. فلما جمعَ إبليسُ الشياطينَ، قال لهم: ماذا عندَكم من القوَّةِ والمعرفةِ، فإنى قد سُلِّطتُ على مالِ أيوبَ، فهى المصيبةُ الفادِحةُ، والفتنةُ التي لا يصبِرُ عليها الرجالُ؟ قال عفريتٌ من الشياطينِ: أُعطيتُ من القوَّةِ ما إذا شئتُ تحوَّلتُ إعصارًا من نارٍ فأحرَقتُ كلَّ شيءٍ أتى عليه. فقال له إبليسُ: فأْتِ الإبلَ ورُعاتَها، فانطلَق يؤمُّ الإبلَ، وذلك حينَ وضَعت رُءُوسَها وثبتَتْ في مراعِيها، فلم يَشعُرِ الناسُ حتى ثار من تحتِ الأرض إعصارٌ من نارٍ تُنفَخُ منها أرواحٌ السَّمومِ، لا يَدْنُو منها أحدٌ إلا احتَرقَ، فلم يزَلْ يَحْرِقُها ورُعاتَها حتى أتَى على آخرِها، فلما فرَغ منها تمثَّل إبليسُ على قعودٍ (٣) منها براعيها، ثم انطلَق يؤمُّ أيوبَ حتى وجَده قائمًا يُصلِّى، فقال: يا أيوبُ. قال: لبَّيْكَ. قال: هل تدرِى ما الذي صنَع ربُّك (٤) الذي اختَرْتَ وعَبَدْتَ ووحَّدتَ بإبلِكَ ورُعاتِها؟ قال أيوبُ: إنها مالُه أعارَنيه، وهو أَوْلى به إذا شاءَ نزَعه،


(١) البثنية والبثنة: اسم ناحية من نواحي دمشق، وقيل: هي قرية بين دمشق وأذرعات، كان أيوب منها. معجم البلدان ١/ ٤٩٣.
(٢) الفدَّان: الذي يحرث به. اللسان (ف د ن).
(٣) القعود من الإبل: هو البكر حين يركب، أي: يمكن ظهره من الركوب، وأدنى ذلك أن يأتي عليه سنتان، ولا تكون البكرة قعودا، وإنما تكون قلوصا. اللسان (ق ع د).
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "بك".