للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونبتَت به ثآليلُ (١) مثلُ ألياتِ الغنَمِ، ووقَعت فيه حِكَةٌ لا يملِكُها، فحَكَّ بِأَظْفارِه حتى سقَطت كلُّها، ثم حَكَّ بالعظامِ، وحَكَّ بالحجارةِ الخَشِنَةِ، وبقطَعِ المُسوحِ الخِشِنَةِ، فلم يزَلْ يحُكُّه حتى نَفِد لحمُه وتقطَّع، ولما نَغِل (٢) جلدُ أيوبَ وتغيَّر وأنتَنَ، أخرَجه أهلُ القريةِ، فجعَلوه على تَلٍّ وجعَلوا له عَرِيشًا، ورفَضه خلقُ اللهِ غَيرَ امرأتِه، فكانت (٣) تختَلِفُ إليه بما يُصلِحُه ويلزَمُه، وكان ثلاثةٌ من أصحابِه اتَّبَعوه على دينِه، فلما رأَوا ما ابتلاه اللهُ به رفَضوه من غيرِ أن يترُكوا دينَه واتَّهَموه؛ يُقال لأحدِهم: بلددُ، وأليفرُ، وصافرُ. قال: فانطلَق إليه الثلاثةُ وهو في بلائِه، فبكَتوه، فلما سمِع منهم أقبَل على ربِّه، فقال أيوبٌ : ربِّ لأيِّ شيءٍ خَلَقتَنى؟ لو كنتَ إذْ كرِهْتني في الخيرِ ترَكتَنى فلم تخلُقْنى، يا لَيتني كنتُ حَيْضةً ألقَتْني أُمِّي، ويا لَيتنى مِتُّ في بطنِها فلم أعرِفْ شيئًا ولم تَعْرِفْنى (٤)، ما الذنبُ الذي أذنبتُ لم يُذنِبْه أحدٌ غيرِى، وما العمَلُ الذي عمِلتُ فصرَفتَ وجْهَك الكريمَ عنِّي، لو كنتَ أمتَّنِى فألحَقْتَنى بآبائي، فالموتُ كان أجملَ بي، فأُسوةٌ لي بالسلاطينِ الذين صُفَّتْ من دونِهم الجيوشُ يضرِبون عنهم بالسيوفِ بخلًا بهم عن الموتِ، وحرصًا على بقائِهم، أصبَحوا في القبورِ جاثِمينَ، حتى ظنُّوا أنهم سيُخلَّدون، وأُسوةٌ لى بالملوكِ الذين كَنَزوا الكنوزَ، وطَمروا المطاميرَ (٥)، وجمَعوا الجموعَ، وظنُّوا أنهم سيُخلَّدون، وأُسوةٌ لى بالجبارينَ الذين بنَوا المدائنَ والحصونَ، وعاشُوا فيها المِئين من السنينَ، ثم أصبَحت خرابًا مأوًى للوحوشِ ومَبْتًى (٦) للشياطينِ.


(١) الثاليل جمع الثُّؤلول، وهو الخُرَاج اللسان (ث أ ل).
(٢) نغل: عفن وفسد. التاج (ن غ ل).
(٣) في ت ٢: "فإنها كانت".
(٤) في ت ١، ت ٢، ف: "يعرفنى".
(٥) المطامير جمع المطمورة: وهى الحفيرة تحت الأرض يوسع أسفلها، تخبأ فيها الحبوب. التاج (ط م ر).
(٦) في م: "مثنى"، وفي ت ١، ت ٢: "مبنى"، وفى ف: "مبتغى". ومبتى من قولهم: بتا بالمكان بتوا: أقام. اللسان (ب ت و).