للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أليفزُ التيمانيُّ (١): قد أعيانا أمرُك يا أيوبُ، إن كلَّمْناكَ فما نَرْجُ للكلامِ (٢) منك موضِعًا، وإن نسْكُتْ عنك مع الذي نرَى فيك من البلاءِ، فذلك علينا، قد كنا نرَى من أعمالِك أعمالًا كنا نَرْجو لك عليها من الثوابِ غيرَ ما رَأَيْنا، فإنما يحصُدُ امرؤٌ ما زرَع، ويُجزَى بما عمِل، أشهَدُ على اللهِ الذي لا يُقدَّرُ قَدْرُ عظمَتِه، ولا يُحصَى عددُ نعَمِه، الذي يُنزِلُ الماءَ من السماءِ، فيُحيى به الميِّتَ، ويرفَعُ به الخافِضَ، ويقوِّى به الضعيفَ، الذي تَضِلُّ حكمةُ الحكماءِ عندَ حكمتِه، وعلْمُ العلماءِ عندَ علْمِه، حتى تراهم من العِيِّ في ظلمةٍ يموجونَ - أن من رَجا معونةَ اللهِ هو القويُّ، وأن من توكَّل عليه هو المكفِيُّ، هو الذي يكسِرُ ويَجبُرُ، ويجرَحُ ويُداوِى.

قال أيوبُ لذلك سكتُّ فعضَضْتُ على لسانى، ووضَعتُ لسوءِ (٣) الخدمةِ رأسِى؛ لأنى علِمتُ أن عقوبتَه غيَّرت نورَ وجْهِى، وأن قوتَه نزَعت قوَّةً جَسَدِى، فأنا عبدُه، ما قضَى عليَّ أصابَني، ولا قوَّةَ لى إلا ما حمَل عليَّ، لو كانت عِظامي من حديدٍ، وجسَدِى من نُحاسٍ، وقلبى من حجارةٍ، لم أُطِقْ هذا الأمرَ، ولكن هو ابتلاني به (٤)، وهو يحمِلُه عنِّى، أتيْتُموني غضابًا، رَهِبتُم قبلَ أَن تُستَرْهَبوا، وبَكَيْتُم من قبلِ أن تُضْرَبوا، كيف بي لو قلتُ لكم: تَصدَّقوا عنى بأموالِكم لعلَّ الله أن يُخلِّصَنى، أو قَرِّبوا عنِّى قربانًا لعلَّ الله أن يتقبَّلَه منى ويرْضَى عنى. إذا استيقَظْتُ تمنَّيْتُ النومَ؛ رجاءَ أن أستريحَ، فإذا نِمْتُ كادَت تجودُ نفسِي، تقطَّعتْ أصابِعِي، فإني لأرفعُ اللُّقمةَ من الطعامِ بيديَّ جميعًا، فما تبلغانِ فَمى إلا على الجهْدِ منى، تساقطَتْ لَهَواتِي، ونُخِر رأسِى، فما بين أُذُنيَّ من سِدادٍ، حتى إن إحداهما لتُرَى


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "اليماني".
(٢) في م: "للحديث".
(٣) في ص: "لنبو".
(٤) سقط من: م، ت ١، ف.