للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفزَعُ من النُّشَّابِ، ولا يُحِسُّ وقْعَ الصخورِ على جسدِه، ويضحَكُ من النيازِكِ، ويسيرٌ في الهواءِ كأنه عصفورٌ، ويُهلِكُ كلَّ شيءٍ يمرُّ به، ملكُ الوحوشِ، وإياه آثرتُ بالقوَّةِ على خلْقِى، هل أنت آخِذُه بأُحبولَتِك فرابطُه بلسانِه، أو واضِعٌ اللجامَ في شِدقِه؟ أنظنُّه يُوفِى بعهدِك، أو يُسبِّحُ من خوفِك؟ هل تُحصِى عُمُرَه، أم هل تدرِى أجلَه؟ أو تُفوِّتُ رزْقَه؟ أم هل تدرِى ماذا خرّبَ من الأَرضِ؟ أم ماذا يُخرِّبُ فيما بقِى من عُمُرِه؟ أتطيقُ غضبَه حينَ يغضَبُ؟ أم تأمرُه فيُطيعَك (١)؟ تبارَك اللهُ وتعالَى.

قال أيوب : قَصَرْتُ عن هذا الأمرِ الذي تعرِضُ لى، ليتَ الأرضَ انشَقَّت بي، فذهبتُ في بلائى، ولم أتكَلَّمْ بشيءٍ يُسخِطُ رَبِّي، اجتَمَع عليَّ البلاءُ، إلهى جعَلتنى لك مثلَ العدوِّ، وقد كنتَ تُكرِمُنى، وتعرِفُ نُصْحِى، وقد علمتُ أن كلَّ (٢) الذي ذكرتَ صُنْعُ يديْك، وتدبيرُ حكمتِك، وأعظمُ من هذا ما شئتَ عَمِلتَ، لا يُعجِزُك شيءٌ، ولا تخفى عنك (٣) خافيةٌ، ولا تغيبُ عنك غائبةٌ، مَنْ هذا الذي يظُنُّ أن يُسِرَّ عنك سرًّا، وأنت تعلَمُ ما يخطُرُ على القلوبِ؟ وقد علمتُ منك في بَلائِى هذا ما لم أكُنْ أَعلَمُ، وَخِفْتُ حينَ بلوتُ أمرَك أكثرَ مما كنتُ أخافُ، إنما كنتُ أسمعُ بسَطوتِك (٤) سَمعًا، فأَمَّا الآن فهو بصَرُ العين، إنما تكلَّمتُ حينَ تكلمتُ لتعذِرَني، وسكتُّ حينَ سكتُّ لترحَمَنى، كلمةٌ زَلَّتْ فلن أعودَ، قد وضَعتُ يدى على فَمِي، وعَضَضَتُ على لساني، وألصَقتُ


(١) في م: "فيعطيك"، وفى ت ٢: "فتطيعك".
(٢) سقط من: م.
(٣) في م، ف: "عليك".
(٤) في ت ٢، ف: "بصوتك".