للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالترابِ خَدِّي، ودَسَسْتُ (١) وَجْهِي لصغارِى، وسكتُّ كما أسكَتَنْنى خطيئَتِي، فاغفِرْ لى ما قلتُ، فلن أعودَ لشيءٍ تكرَهُهُ مِنِّى.

قال اللهُ : يا أيوبُ نفَذ فيك عِلْمى، وبحِلْمى صرَفتُ عنك غَضَبي إِذ خَطِئْتَ، فقد غَفَرتُ لك وردَدتُ عليك أهلَك ومالَك ومثلَهم معهم، فاغتَسِلْ بهذا الماءِ، فإن فيه شفاءَك، وقرِّبْ عن صحابتِك قُربانًا، واستغفِرْ لهم، فإنهم قد عَصَوْني فيك (٢).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، قال: ثنى محمدُ بنُ إسحاقَ، عمَّن لا يَتَّهِمُ، عن وهبِ بن مُنبهٍ اليمانيِّ وغيرِه من أهلِ الكُتبِ الأوَلِ، أنه كان من حديثِ أيوبَ أنه كان رجلًا من الرومِ، وكان اللهُ قد اصطفاه ونبّأَه، وابتَلاهُ في الغِنَى بكثرةِ الولدِ والمالِ، وبسَط عليه من الدنيا، فوسَّع عليه في الرزقِ، وكانت له البَثَنيةُ من أرضِ الشامِ، أعلَاها، وأسفلُها، وسهلُها وجبَلُها، وكان له فيها من أصنافِ المالِ كلِّه؛ من الإبلِ والبقرِ والغنمِ والخيلِ والحميرِ ما لا يكونُ للرجلِ أفضَلُ منه في العِدَّةِ والكثرةِ، وكان اللهُ قد أعطاهُ أهلًا وولدًا من رجالٍ ونساءٍ، وكان بَرًّا تَقيًّا رحيمًا بالمساكين، يُطعِمُ المساكينَ، ويحمِلُ الأراملَ، ويكفُلُ الأيتامَ، ويُكرِمُ الضيفَ، ويُبلِّغُ ابنَ السبيلِ، وكان شاكِرًا لأنعُمِ اللهِ عليه، مؤدِّيًا لحقِّ اللهِ في الغنِي، قد امتَنَع من عدوِّ اللهِ إبليسَ أن يُصيبَ منه ما أصابَ من أهلِ الغِنى مِن العِزَّةِ والغَفْلَةِ، والسهوِ (٣) والتشاغُلِ عن أمرِ اللهِ بما هو فيه من الدنيا، وكان معه ثلاثةٌ قد آمنوا به


(١) في م: "دست".
(٢) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٣٢٢ مختصرًا جدًّا، وذكره الثعالبى في عرائس المجالس ص ١٣٥ عن وهب وكعب وغيرهما، وذكره البغوي في تفسيره ٥/ ٣٣٧ عن وهب، وقال ابن كثير في تفسيره ٥/ ٣٥٤: وقد ذكر عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه، وذكرها غير واحد من متأخرى المفسرين، وفيها غرابة، تركناها لحال الطول.
(٣) في ت ١، ت ٢: "الشهوة".