للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصدَّقوه، وعرَفوا فضْلَ ما أعطاه اللهُ على مَن سِواه؛ منهم رجلٌ من أهلِ اليمنِ يقالُ له: أليفزُ. ورجلانِ مِن أهلِ بلادِه يقالُ لأحدِهما: صوفرُ. وللآخرِ: بلددُ. وكانوا من بلادِه كُهولًا، وكان لإبليسَ عدوِّ اللهِ مُنزَلٌ من السماءِ السابعةِ يقَعُ به كلَّ سنةٍ مَوقِعًا يسألُ فيه، فصعِد إلى السماءِ في ذلك اليومِ الذي كان يصعَدُ فيه، فقال اللهُ له، أو قيلَ له عن اللهِ: هل قدَرْت من أيوبَ عبدِى على شيءٍ؟ قال: أَيْ رَبِّ، وكيف أقدِرُ منه على شيءٍ و (١) إنما ابتلَيْتَه بالرخاءِ والنعمَةِ والسَّعةِ والعافيةِ، وأعطيتَه الأهلَ والمالَ والولدَ والغِنى والعافيةَ في جسَدِه وأهلِه ومالِه، فما له لا يشكُرُك ويعبُدُك ويُطيعُك وقد صنَعتَ ذلك به، لو ابتليتَه بنَزْعِ ما أعْطيتَه لحالَ عما كان عليه من شُكْرِك، ولترَك عبادتَك، ولخرَج من طاعتِك إلى غيرِها. أو كما قال عدوُّ اللهِ، فقال: قد سلَّطتُك على أهلِه ومالِه. وكان اللهُ هو أعلَمَ به، ولم يُسلِّطْه عليه إلا رحمةً؛ ليُعظِمَ له الثوابَ بالذي يُصيبُه من البلاءِ، وليجعَلَه عبرةً للصابرين، وذِكرَى للعابدين، في كُلِّ بلاءٍ نزَل بهم، ليأْتَسُوا (٢) به، وليرْجُوا من عاقبةِ الصبرِ في عَرَضِ الدنيا ثوابَ الآخرةِ، وما صنَع اللهُ بأيوبَ، فانحطَّ عدوُّ اللهِ سريعًا، فجمعَ عفاريتَ الجنِّ ومَرَدةَ الشياطينِ من جنودِه، فقال: إني قد سُلِّطتُ على أهلِ أيوبَ ومالِه، فماذا عليكم؟ فقال قائلٌ منهم: أكونُ إعصارًا فيه نارٌ، فلا أمُرُّ بشيءٍ من مالِه إلا أهلكْتُه، قال: أنت وذاك. فخرَج حتى أتى إبلَه، فأحرَقها ورُعاتَها جميعًا، ثم جاءَ عدوُّ اللهِ إلى أيوبَ في صورةِ قَيِّمِه عليها وهو في مُصلًّى، فقال: يا أيوبُ أقبلَت نارٌ حتى غَشِيت إبلَك فأحرقَتها ومن (٣) فيها غيرِى، فجئتُك أخبِرُك ذلك (٤). فعرَفه أيوبُ، فقال: الحمدُ للهِ الذي هو أعطاها، وهو أخَذها، الذي أخرَجك منها كما يُخْرَجُ الزُّؤانُ (٥) من الحبِّ


(١) في م: "أو".
(٢) في م: "ليتأسوا".
(٣) في ت:٢: "ما".
(٤) في م، ت ٢: "بذلك".
(٥) في ص، ت ١، ف: "الزلال"، وفى ت ٢: "الدلال". والزؤان، بهمز وبغيره: حب يخالط البُرِّ فيكسبه رداءة، وهو حب يُسكِر. اللسان (ز أ ن، ز و ن).