للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نصيرًا﴾ [الإسراء: ٧٣ - ٧٥]. فما زال مَعْمُومًا مهمومًا حتى نزلت (١): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. قال: فسمِع مَن كان من المهاجرين بأرض الحبشة أنَّ أهلَ مكة قد أسلَموا كلُّهم، فرجَعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبُّ إلينا. فوجَدوا القومَ قد ارتكَسوا حينَ نسَخ اللهُ ما ألقَى الشيطانُ (٢).

حدَّثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد المدنيِّ، عن محمد بن كعب القرظيِّ، قال: لما رأى رسول الله تولِّى قومه عنه، وشقَّ عليه ما يرى مِن مُباعَدتِهم ما جاءهم به مِن عندِ اللهِ، تمنَّى فى نفسه أن يأتيه مِن اللهِ ما يقارِبُ به بينه وبين قومه، وكان يسرُّه مع حبِّه وحِرصِه عليهم أن يلينَ له بعضُ ما غلظ عليه من أمرهم حين حدَّث بذلك نفسَه، وتمنَّى وأحبَّه، فأنزَل الله: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. فلما انتهى إلى قولِ اللهِ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ أَلقَى الشيطان على لسانه لما كان يُحدِّث به نفسه ويتمنَّى أن يأتى به قومَه: تلك الغرانيقُ العُلى، وإنَّ شفاعتهن تُرتضى. فلما سمعت قريشٌ ذلك فرحوا وسرَّهم، وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخُوا (٣) له، والمؤمنون مصدِّقون نبيَّهم فيما جاءهم به عن ربِّهم، ولا يتَّهمونه على خطأ ولا وَهمٍ ولا زَللٍ، فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها، فسجد المسلمون بسجودِ نبيِّهم تصديقًا لما جاء به، واتِّباعًا لأمره، وسجد مَن في المسجدِ من المشركين من قريشٍ وغيرهم لما سمعوا من ذكرِ آلهتهم، فلم يبق في المسجدِ مؤمنٌ


(١) بعده في م: "عليه".
(٢) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٤/ ٣٦٧ إلى المصنف وسعيد بن منصور.
(٣) أصاخوا له: استمعوا وأنصتوا لصوته. التاج (ص ى خ).