للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

*تَنوءُ بها فتُثْقِلُها عَجِيزتُها*

وليست العجيزةُ تنوءُ بها، ولكنها هى تنَوءُ بالعجيزةِ، وقال الأعشى (١):

ما كنتَ فى الحربِ العَوَانِ مُغَمَّرًا … إذ شبَّ حَرُّ وقودِها أجْذالَها

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ من الكوفيين يُنْكِرُ هذا الذي قاله هذا القائلُ، وابتداءَ "إن" بعدَ "ما"، ويقولُ: ذلك جائزٌ مع "ما" و "من"، وهو مع "ما" و "مَن" أجودُ منه (٢) مع "الذي"؛ لأن "الذى" لا يَعْمَلُ في صِلتِه ولا تَعْمَلُ صِلتُه فيه، فلذلك جاز وصارت الجملةُ عائدَ "ما"، إذ كانت لا تَعْمَلُ فى "ما" ولا تَعْمَلُ "ما" فيها. قال: وحسُن مع "ما" و "مَن"؛ لأنهما يكونان بتأويلِ النكرةِ إن شئت، والمعرفةِ إن شئت، فتقولُ: ضرَبتُ رجلًا ليقومَنَّ، وضرَبتُ رجلًا إنه لمحسنٌ. فتكونُ "مَن" و "ما" بتأويلِ "هذا"، ومع "الذى" أقبحُ؛ لأنه لا يكونُ بتأويلِ النكرةِ.

وقال آخرُ منهم فى قولِه (٣): ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾. نَوْءُها بالعصبةِ أن تُثْقِلَهم. وقال: المعنى: إنَّ مفاتحَه لَتُنِئُ العصبةَ، تُمِيلُهن من ثِقْلِها. فإذا أدخَلْتَ الباءَ قلتَ: تَنوءُ بهم. كما قال: ﴿آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ [الكهف: ٩٦]. قال: والمعنى: ائتُونى بقطرٍ أُفْرِغْ عليه. فإذا حذَفتَ الباءَ زِدت على الفعل ألفًا في أولِه، ومثلُه: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ﴾ [مريم: ٢٣]. معناه: فجاء بها المخاضُ. وقال: قد قال رجلٌ من أهل العربيةِ: ما إن العصبةَ تَنُوءُ بمفاتحِه. فحوَّل الفعلَ إلى المفاتحِ، كما قال الشاعرُ (٤):

إن سِراجًا لكريمٌ مَفخَرُه … تحلَى به العينُ إذا ما تَجْهَرُه


(١) ديوانه ص ٣١.
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢.
(٣) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٣١٠.
(٤) تقدم في ٣/ ٤٨.