للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فذهب ليأخذَها، فطارت، فاطَّلع من الكُوَّةِ، فرأى امرأةً تغتسلُ، فنزل نبي الله من المحرابِ، فأرْسَل إليها فجاءَتْه، فسألها عن زوجها وعن شأنها (١)، فأخبَرَتْه أن زوجها غائبٌ، فكتب إلى أمير تلك السَّرِيَّةِ (٢) أن يُؤمِّرَه على السَّرايا؛ ليَهْلِكَ زوجُها، ففعل، فكان يُصاب أصحابُه وينجو، وربما نُصِروا، وإن الله ﷿ لما رأى الذى وقع فيه داودُ، أرادَ أن يَسْتَنْقِذَه، فبينما داود ذاتَ يوم في محرابِه، إذ تَسوَّر عليه الخَصمان من قِبَل وجهه، فلما رآهما وهو يقرأُ، فزع وسكت، وقال: لقد استُضْعِفتُ في مُلْكِى، حتى إن الناسَ يَتَسَوَّرون علىَّ مِحْرابي. قالا له: ﴿لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾، ولم يَكُنْ لنا بدٌّ مِن أن نأتيك، فاسمَعْ مِنَّا. قال أحدهما: (إنَّ هذا أخى له تسعٌ وتسعون نعجةً أُنثَى ولى نعجةٌ واحدةٌ فقال أكفلنيها) (٣)؛ يريدُ أن [يُتَمِّمَ بها مائةً] (٤)، ويَتْرُكَنى ليس لى شيءٌ، ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾. قال: إن دعوتُ ودَعا كان أكثرَ منى (٥)، وإن بطَشَتُ وبطش كان أشدَّ منى. فذلك قولُه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾. قال له داودُ: أنت كنتَ أحوج إلى نعجتك منه، ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾. ونَسِي نفسه ، فنظر المَلَكان أحدُهما إلى الآخرِ، حين قال ذلك، فتبسَّم أحدُهما إلى الآخرِ، فرَآه داودُ، فظَنَّ (٦) أنما فُتِن، ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ أربعين ليلةً، حتى نَبَتَت الخُضْرةُ مِن دموعِ عينيه، ثم


(١) في ص، ت ١: "شأنه".
(٢) في ص، ت ١: "القرية". وينظر الأثر القادم في الصفحة التالية.
(٣) هي قراءة ابن مسعود. مختصر الشواذ ص ١٣٠.
(٤) في ص، ت ١: "يتم بها مائة"، وفى مطبوعة الدر المنثور: "يتم مائة".
(٥) سقط من: م، ت ٢، ت ٣.
(٦) في ص، م: "وظن".