للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِلْكٌ- إعلامًا منه لعبادِه المؤمنين أن له مِلْكَهما ومِلكَ ما بينَهما مِن الخلائقِ، وأن على جميعِهم -إذ كان له مِلْكُهم- طاعتَه فيما أمرَهم ونهاهم، وفيما فرَض عليهم مِن الفرائضِ، والتوجيهَ (١) نحوَ الوجهِ الذى وُجِّهوا إليه، إذ كان مِن حكمِ المماليكِ طاعةُ مالكِهم، فأخرَج الخبرَ عن المشرقِ والمغربِ، والمرادُ به ما (٢) بينَهما مِن الخلقِ، على النحوِ الذى قد بَيَّنتُ مِن الاكْتفاءِ بالخبرِ عن سببِ الشيءِ مِن ذِكْرِه والخبرِ عنه، كما قِيل: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾. وما أشْبَهَ ذلك (٣).

فمَعْنَى الآيةِ إذن: وللهِ مِلْكُ الخلقِ الذى بينَ المشرقِ والمغربِ، [يستعبِدُهم بما يشاءُ] (٤)، ويَحْكُمُ فيهم ما يُريدُ، عليهم طاعتُه، فولُّوا أيها المؤمنون وجوهَكم نحوَ وجهِي، فإنكم أينما تُوَلُّوا (٥) وجوهَكم فهنالك وَجْهِى.

فأما القولُ في: هل هذه الآيةُ ناسخةٌ أم منسوخةٌ؟ أم لا هى ناسخةٌ ولا منسوخةٌ؟ فإن الصوابَ فيه مِن القولِ أن يقالَ: إنها آيةٌ جاءت مجئَ العمومِ، والمرادُ منها الخاصُّ، وذلك أن قولِه: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾. مُحْتَمِلٌ: فأينما تُوَلُّوا في حالِ سيرِكم في أسفارِكم في صلاتِكم التَّطوعَ، وفى حالِ مسايفتِكم (٦) عدوَّكم في تَطوُّعِكم ومكتوبتِكم - فثَمَّ وجهُ اللهِ. كما قال ابنُ عمرَ والنَّخَعيُّ ومَن قال ذلك ممن ذكَرنا ذلك عنه آنفًا.

ومُحْتَمِلٌ: فأينما تُوَلُّوا مِن أرضِ اللهِ فتَكونوا بها - فثَمَّ قِبلةُ اللهِ التى تُوجِّهون


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "التوجه".
(٢) في م، ت ١، ت ٢: "من".
(٣) ينظر ما تقدم في ص ٢٦٥، ٢٦٦.
(٤) في م: "يتعبدهم بما شاء".
(٥) في الأصل: "تولون".
(٦) في الأصل: "مسابقتكم".