للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولون: أبْشِرْ أَعَدَّ اللهُ لك كذا، وأعَدَّ لك كذا. فيَنْطَلِقُ أحدُهم إلى زوجتِه، فيُبَشِّرُها به، فيقولُ: قدِم فلانٌ. باسمِه الذي كان يُسَمَّى به في الدنيا. قال: فيَسْتَخِفُّها الفرحُ، حتى تقومَ على أُسْكُفَّةِ بابِها، وتقولُ: أنت رأيْتَه؟ أنت رأيْتَه؟ قال: فيقولُ: نعم. قال: فيَجِيءُ حتى يَأْتىَ منزلَه، فإذا أصولُه مِن جَنْدلِ اللؤلؤِ، مِن بين أصفرَ وأحمرَ وأخضَر. قال: فيَدْخُلُ، فإذا الأكوابُ موضوعةٌ، والنَّمارِقُ مصفوفةٌ، والزَّرابيُّ مَبْثوثةٌ. قال: ثم يَدْخُلُ إلى زوجتِه مِن الحُورِ العِينِ، فلولا أن الله أَعَدَّها له، لَالْتُمِع (١) بصرُه مِن نوِرها وحسنِها. قال: فاتَّكَأ عند ذلك، ويقولُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾. قال: فتُنادِيهم الملائكةُ: ﴿أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣].

حدَّثنا محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، قال: ذكر السديُّ نحوَه أيضًا، غيرَ أنه قال: لهو أهْدَى إلى منزلِه في الجنةِ، منه إلى منزلِه في الدنيا. ثم قرأ السديُّ: ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد: ٦].

واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في موضعِ جوابِ "إذا" التي في قولِه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: يقالُ: إن قولَه: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾. في معنى: قال لهم، كأنه يُلْغِى الواوَ، وقد جاء في الشعرِ شيءٌ يُشْبِهُ أن تكونَ الواوُ زائدةً، كما قال الشاعرُ (٢):

فإذا وذلك يا كُبَيْشَةُ لم يَكُنْ … إلا توهُّمُ (٣) حالمٍ بخَيَالِ

فيُشْبِهُ أن يكونَ يُرِيدُ: فإذا ذلك لم يَكُنْ. قال: وقال بعضُهم: فأُضْمِر الخبرُ، وإضمارُ الخبرِ أيضًا أحسنُ في الآيةِ، وإضمارُ الخبرِ في الكلامِ كثيرٌ. وقال آخرُ


(١) التُمع: اختُلس. النهاية ٤/ ٢٧١.
(٢) هو ابن مقبل. والبيت في ديوانه ص ٢٥٩.
(٣) في الديوان: "كحلمة".