للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَن جاءَنا منهم فرَدَدْناه إليهم، فعلِم اللهُ الإسلامَ مِن نفسه، جعَل له مخرجًا". فصالَحوه على أنه يَعْتَمِرُ في عامِ قابلٍ في هذا الشهرِ، لا يَدْخُلُ علينا بخيلٍ ولا سلاحٍ إلا ما يَحْمِلُ المسافرُ في قرابه، يَثْوِى فينا ثلاثَ ليالٍ، وعلى أن هذا الهدْىَ حيثما حبسناه مَحِلُّه (١) لا يُقْدِمُه علينا. فقال لهم رسولُ اللهُ : "نحن نَسُوقُه، وأنتم تَرُدُّون وُجوهَه". فسار رسولُ اللهُ مع الهلايِ، وسار الناسُ (٢).

حدَّثني محمدُ بنُ عُمارةَ، قال: ثنا عبيد اللهُ بن موسى، قال: أخبَرنا موسى، قال: أخبَرني أبو مُرَّةَ مولى أمِّ هانيء عن ابن عمرَ، قال: كان الهدىُ دونَ الجبالِ التي تَطْلُعُ على وادى الثنية، عرَض له المشركون، فردُّوا وجوهَه. قال: فنحَر النبيُّ الهدىَ حينَ حبَسوه، وهى الحديبيةُ، وحلَق، وتأَسَّى به أُناسٌ حينَ رأَوْه حلَق، وتربَّص آخرون فقالوا: لعلنا نَطوفُ بالبيتِ، فقال رسولُ اللهِ : "رحِم اللهُ المُحَلِّقين". قيل: والمُقَصِّرين. قال: "رحم اللهُ المُحَلِّقين". قيل: والمُقَصِّرين. قال: "والمُقَصِّرِين" (٣).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ بشيرٍ، قال: ثنا عمرُ بنُ ذَرٍّ الهَمْدانيُّ، عن مجاهدٍ، أن النبيَّ اعْتَمر ثلاثَ عُمَرٍ، كلُّها في ذى القَعْدَةِ، يَرْجِعُ في كلِّها إلى المدينةِ، منها العمرةُ التي صُدَّ فيها الهدىُ، فنحَره في مجلِّه عندَ الشجرةِ، وشارَطوه أن يأْتىَ في العامِ المقبلِ معتمرًا فيَدْخُلَ مكةَ، فيَطوفَ بالبيتِ ثلاثةَ أيامٍ ثم يَخْرُجَ، ولا يَحْبسون عنه أحدًا قَدِم معه، ولا يَخْرُجَ مِن مكةَ بأحدٍ كان فيها قبلَ قدومِه مِن المسلمين، فلما كان مِن العامِ المقبل دخَل مكةَ، فأقام بها ثلاثًا يَطوفُ بالبيتِ، فلما كان اليومُ الثالثُ قريبًا مِن الظهرِ أرْسَلوا إليه: إن قومَك قد


(١) بعده في ت ١: "لا يكفكفه".
(٢) أخرجه المصنف في تاريخه ٢/ ٦٢٩، ٦٣٠.
(٣) تقدم تخريجه في ٣/ ٣٦٢.