للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

راحلتُه، فقال الناسُ: حَلْ حَلْ (١). فقال: "ما حَلْ؟ ". فقالوا: خَلأتِ (٢) القَصْواءُ. فقال النبيُّ : "ما خَلأتُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكنها حبسَها حابسُ الفيل". ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يَسْأَلُونى خُطَّةً يُعَظِّمون بها حرماتِ اللَّهِ إلا أعْطَيْتُهم إياها". ثم زُجِرَتْ فوثَبَتْ، فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبيةِ، على ثَمَدٍ (٣) قليل الماءِ، إنما يَتَبَرَّضُه الناسُ تَبَرُّضًا (٤)، فلم يُلْبِته (٥) الناسُ (٦) أن نزَحوه، فشُكِي إلى رسولِ اللهِ العطشُ، فنزَع سهمًا مِن كِنانته، ثم أَمَرَهم أن يَجْعَلوه فيه، فواللهِ ما زال يَجِيشُ لهم بالرِّيِّ حتى صدَروا عنه، فبينا هم كذلك جاء بُدَيْلُ بنُ وَرْقاءَ الخُزاعيُّ في نفرٍ مِن خُزاعةَ. وكانوا عَيْبةً نُصح رسولِ اللَّهِ مِن أهلِ تِهامةَ - فقال: إنى ترَكْتُ كعبَ بنَ لُوَّيٍّ، وعامر بن لؤيٍّ، قد نزلوا أعداد (٧) مياهِ الحديبيةِ، معهم العُوذُ المَطافيلُ (٨)، وهم مُقاتِلوك وصادُّوك عن البيت. فقال النبيُّ : "إنا لم نأت لقتال أحدٍ، ولكنا جِئْنَا مُعْتَمِرين، وإن قريشًا قد نهِكَتْهم الحربُ وأضَرَّت بهم، فإن شاءوا مادَدْناهم مدةً، ويُخَلُّوا بيني وبين الناس، فإن أَظْهَرْ فإن شاءوا أن يَدْخَلوا فيما دخل فيه الناسُ فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا (٩)، وإن هم


(١) حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير. فتح البارى ٥/ ٣٣٥. وينظر اللسان (ح ل و).
(٢) خلأت: وقفت عن السير. اللسان (خ ل أ).
(٣) الثَّمَد والثَّمْد: المكان يجتمع فيه الماء. الوسيط (ث م د).
(٤) تَبَرَّض الماءَ: اغترفه كلما اجتمع منه شيء. الوسيط (ب رض).
(٥) في م: "يلبث"، وفي ت ٢، ت ٢: "ينتبه".
(٦) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت.٣.
(٧) الأعداد بالفتح: جمع عِدِّ بالكسر والتشديد، وهو الماء الكثير الذي لا انقطاع له. فتح البارى ٥/ ٣٣٨.
(٨) العوذ: جمع عائذ، وهى الناقة ذات اللبن، والمطاقيل: الأمهات اللاتى معها أطفالها، يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه، أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال. فتح البارى ٥/ ٣٣٨.
(٩) جموا: استراحوا وقووا. فتح البارى ٥/ ٣٣٨.