للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبَوْا، فوالذي نفسي بيدِه لأُقاتِلَتَّهم على أمرِى هذا حتى تَنْفَرِدَ سالفَتى (١)، أو ليُنْفِذَنَّ اللهُ أمره: فقال بُديلٌ: سنُبَلِّغُهم ما تقولُ. فانْطَلَق حتى أتَى قريشًا، فقال: إنا قد جئْناكم مِن عندِ هذا الرجلِ، وسمِعْناه يقولُ قولًا، فإن شئتُم أَن نَعْرِضَه عليكم فعَلْنا قال سفهاؤُهم: لا حاجةَ لنا في أن تُحَدِّثَنَا عنه بشيءٍ. وقال ذَوُو الرأي منهم: هاتِ ما سمِعْتَه يقولُ. قال: سمِعْتُه يقولُ كذا وكذا. فحدَّثهم بما قال النبيُّ ، فقام عروةُ بن مسعودٍ الثَّقَفيُّ فقال: أي قومِ، ألستم بالوالدِ (٢)؟ قالوا: بلى. قال: أوَلستُ بالولدِ (٣)؟ قالوا: بلى. قال: فهل تَتَّهِمونى؟ قالوا: لا. قال: ألستم تَعْلَمون أنى اسْتنْفَرتُ أهلَ عُكاظٍ، فلما بَلَّحوا (٤) عليَّ جئتُكم بأهلى وولدى ومَن أطاعنى؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا الرجلَ قد عرَض عليكم خُطَّةَ رُشْدٍ فاقْبَلُوها، ودَعُونى آتِه. فقالوا: ائتِه. فأتاه فجعَل يُكَلِّمُ النبيَّ ، فقال النبيُّ نحوًا مِن مقالتِه لبُدَيْلٍ، فقال عروةُ عندَ ذلك: أي محمدُ، أرأيْتَ إن استأصَلتَ قومَك، فهل سمِعْتَ بأحدٍ مِن العربِ اجْتاح أصله قبلك؟ وإن تَكُن الأخرى، فوالله إنى لأَرَى وجُوهًا وأَشْوابًا (٥) مِن الناس خليقًا أن يَفرُوا ويَدَعُوك. فقال أبو بكرٍ: امصصْ بَظْرَ اللَّاتِ (٦) واللاتُ طاغيةُ ثَقيف التي (٧) كانوا يَعْبُدون - أنحن نَفِرُّ ونَدَعُه؟


(١) السالفة: صفحة العنق، وكنى بذلك عن القتل؛ لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه. فتح البارى ٥/ ٣٣٨.
(٢) في م: "بالولد".
(٣) في م: "بالوالد".
(٤) بلحوا: بفتح الباء واللام وتشديدها: امتنعوا. فتح البارى ٥/ ٣٣٩.
(٥) في م: "أوباشا". والأشواب: الأخلاط مِن أنواع شتى. والأوباش: الأخلاط مِن السِّفْلة، فالأوباش أخص مِن الأشواب. فتح البارى ٥/ ٣٤٠. وقال ابن الأثير: الأشواب والأوباش والأوشاب: الأخلاط الناس والرعاع. النهاية ٢/ ١٨٧.
(٦) البظر: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة … وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه. فتح البارى ٥/ ٣٤٠.
(٧) في م: "الذي"، وفى ت ٢ ت ٣: "الذين".