للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: مَن هذا؟ فقالوا: أبو بكرٍ. فقال: أما والذي نفسي بيده لولا يدٌ كانت لك (١) عندى لم أَجْزِك بها لأجَبتُك (٢). وجعل يُكَلِّمُ النبيَّ ، فكلما كلَّمه أخَذ بلحيتِه، والمغيرةُ بنُ شعبةَ قائمٌ على رأس النبيِّ ، ومعه السيفُ وعليه المغْفَرُ، فكلما أهْوَى عروةُ إلى لحيةِ رسولِ اللهِ ما ضرب يدَه بنَعْل (٣) السيفِ وقال: أخِّرْ يدَك عن لحيتِه. فرفَع رأسه فقال: مَن هذا؟ قالوا: المغيرةُ بن شعبةَ. قال: أي غُدَرُ، أوَ لستُ أسْعَى في غَدْرتِك! - وكان المغيرةُ بن شعبةَ صحِب قومًا في الجاهليةِ، فقتَلَهم وأخَذ أموالَهم، ثم جاء فأسْلَم. فقال النبيُّ : وأمَّا الإسلامُ فقد قبلناه، وأمَّا المالُ فإنه مالُ غَدْرٍ، لا حاجةَ لنا فيه" - وإن عروةَ جعَل يَرْمُقُ أصحابِ النبي بعينِه، فواللهِ إن تنخَّم النبيُّ نُخامةً إلا وقَعت في كفِّ رجلٍ منهم، فدلَك بها وجهَه وجلدَه، وإذا أمرَهَم ابْتَدَروا أمرَه، وإذا توَضَّأ كادوا يَقْتَتِلون على وَضوئِه، وإذا تكَلَّم خفَضوا أصواتَهم عنده، وما يُحدُّون النظرَ إليه تعظيمًا له، فرجع عروةُ إلى أصحابِه فقال: أي قومِ، والله لقد وفَدْتُ على الملوكِ، ووفَدْتُ على قيصرَ وكِشرى والنجاشيِّ، والله إن رأَيْتُ ملكًا قطُّ يُعَظِّمُه أصحابُه ما يُعَظِّمُ أصحابُ محمدٍ محمدًا، واللَّهِ إِن تَنَخَّم نُخامةً إلا وقَعَت في كفٌ رجلٍ منهم، فدلَك بها وجهَه وجلدَه، وإذا أمَرَهم ابْتَدَروا أمره، وإذا توَضَّأ كادوا يَقْتَتلون على وَضوئِه، وإذا تكَلَّموا عنده خفَضوا أصواتَهم، وما يُحِدُّون النظرَ إليه تعظيمًا له، وإنه قد عرَض عليكم خُطَّةَ رُشد فاقْتِلُوها. فقال رجلٌ مِن كِنانةَ: دَعُونى آيِهِ. فقالوا: ائْتِه. فلما أشْرَف على النبيِّ وأصحابِه، قال النبيُّ : "هذا فلانٌ: "هذا فلانٌ، وهو مِن قومٍ يُعَظِّمون البُدْنَ، فابْعَثُوها له". فبُعِثَت له، واسْتَقْبله قومٌ يُلَبُّون فلمَّا رأَى ذلك قال:


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) وذلك أن عروة كان تحمّل بديةٍ فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن. فتح البارى ٥/ ٣٤٠.
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بنصل".