للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمدُ بنُ جعفرٍ أنَّها مِن مُزَيْنَةَ، وزعَم غيرُه أَنَّها سارَةُ؛ مولاةٌ لبعضِ بنِي عبدِ المطلبِ - وجعَل لها جُعْلًا على أن تُبلِّغَه قريشًا، فجعَلتْه في رأسِها، ثم فتَلتْ عليه قرونَها، ثم خرَجَتْ به، وأتى رسولَ اللَّهِ الخبرُ مِن السماءِ بما صنَع حاطبٌ، فبعَث عليَّ بنَ أبي طالبٍ والزُّبيرَ بنَ العوَّامِ ، فقال: "أَدْرِكا امرأةً قد كتَب معها حاطبٌ بكتابٍ إلى قريشٍ، يُحذِّرُهم ما قد اجْتَمَعْنا له في أَمْرِهم". فخرَجا حتى أَدْرَكاها بالحُليفةِ (١)؛ حُلَيفةِ ابنِ أبي أحمدَ، فاستَنْزَلاها، فالتمَسا في رَحْلِها، فلم يَجِدا شيئًا، فقال لها عليُّ بنُ أبى طالبٍ : إني أحلِفُ باللَّهِ ما كذب رسولُ اللَّهِ ولا كذبنا، ولتُخْرِجِنَّ إليَّ هذا الكتابَ، أو لنَكْشِفَنَّكِ. فلمَّا رأَت الجِدَّ منه قالت: أَعْرِضْ عني. فأَعْرَض عنها، فحلَّتْ قرونَ رأسِها، فاسْتَخْرَجت الكتابَ، فدفعَتْه إليه، فجاء به إلى رسولِ اللَّهِ ، فدعا رسولُ اللَّهِ حاطبًا، فقال: "يا حاطبُ، ما حمَلك على هذا؟ ". فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أما واللَّهِ إني لمؤمنٌ باللَّهِ ورسولِه، ما غيَّرْتُ ولا بدَّلْتُ، ولكني كنتُ امرأً ليس لي في القومِ أصلٌ ولا عشيرةٌ، وكان لي بينَ أَظْهُرِهم أهلٌ وولدٌ، فصانَعْتُهم. عليهم (٢). فقال عمرُ بنُ الخطابِ : دعْني يا رسولَ اللَّهِ، فلأضرِبَ عنقَه، فإِنَّ الرجلَ قد نافَق. فقال رسولُ اللَّهِ : "وما يُدْرِيك يا عمرُ، لعل اللَّهَ قد اطَّلَع إلى (٣) أصحابِ بدرٍ يومَ بدرٍ فقال: اعْمَلوا ما شِئْتم فقد غَفَرْتُ لكم". فأنزَل اللَّهُ ﷿ في حاطبٍ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ إلى قولِه:


(١) في ت ٢: "بالخليفة". وفي سيرة ابن هشام: "بالخليقة، خليقة". بضم الخاء المعجمة، ورواه الخشني بفتح الخاء المعجمة فيهما، وفي كتاب ابن إسحاق: بذي الحليفة، حليفة ابن أبي أحمد. بضم الحاء المهملة فيهما وبالفاء. وهو اسم موضع. ينظر شرح غريب السيرة ٣/ ٧٦.
(٢) في م: "عليه".
(٣) في ت ٢، ت ٣، ونسخة من تاريخ المصنف: "على".