للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يَحتمِلُ أن يكونَ المعنَى على هذا التأويلِ الذي تأوَّله هؤلاءِ: ومَثلُ الذين كفَرُوا في قلّةِ فَهمِهم عن اللهِ وعن رسولهِ كمَثلِ المنْعوقِ به من البهائمِ الذي لا يفقَهُ من الأمرِ والنَّهْىِ غيرَ الصوتِ؛ وذلك أنه لو قيلَ له: اعْتلِفْ. أو: رِدِ الماءَ. لم يدرِ ما يقالُ له غيرَ الصوتِ الذي يسمَعُه من قائلِه، فكذلك الكافرُ، مَثلُه في قلَّةِ فَهمِه لما يُؤمرُ به ويُنهَى عنه، بسوءِ تدَبُّرِه إيَّاه، وقلةِ نظرِه وفكرِه فيه، مَثلُ هذا المنعوقِ به فيما أُمِرَ به ونُهِيَ عنه، فيكونُ المعنى للمنعوقِ به، والكلامُ خارجٌ على الناعقِ، كما قال نابغةُ بني ذُبيانَ (١):

وَقَدْ خِفْتُ حتَّى ما تَزِيدُ مَخافَتِي … على وَعِلٍ في ذِي المَطارَةِ (٢) عاقِلٍ (٣)

والمعنَى: حتى ما تَزيدُ مخافةُ الوعِلِ على مخافتِي. وكما قال الآخرُ (٤):

كانَتْ فَريضَةُ ما تَقُولُ كمَا … كانَ الزِّناءُ فَريضَةَ الرَّجْمِ

والمعنى: كما كان الرجمُ فريضةَ الزِّنا. فجعلَ الزِّنا فريضةَ الرَّجْمِ لوضوحِ معنى الكلامِ عندَ سامعِيه (٥)، وكما قال الآخرُ (٦):

إنَّ سِرَاجًا لَكَريمٌ مَفْخَرُهْ … تَحْلَى به العَيْنُ إذا ما تَجْهَرُهْ (٧)

والمعنى: يَحْلى بالعينِ. فجعلَه: تحْلَى به العينُ. ونظائرُ ذلك من كلامِ العربِ


(١) ديوانه ص ٦٨.
(٢) ذو المطارة: جبل. اللسان (ط ي ر).
(٣) وَعِل عاقل: إذا تحصن بوزره عن الصياد. تهذيب اللغة ١/ ٢٤١.
(٤) هو النابغة الجعدي، والبيت في شرح ديوانه ص ٢٣٥.
(٥) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "سامعه".
(٦) معاني القرآن للفراء ١/ ٩٩، وأمالي المرتضى ١/ ٢١٦.
(٧) جهَر الرجلَ: رآه بلا حجاب بينه وبينه، أو جهَره: نظر إليه. وما في العين أحد تجهره عيني، أي تأخذه. التاج (ج هـ ر).