للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك، وكان قولُه جلَّ ثناؤُه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾. ينبئُ على (١) أنه فرضٌ، كان معلومًا أن القولَ خلافُ ما قالَه قائلُ هذه المقالَةِ؛ لأنَّ ما كان فرضًا على أهلِ الحقوقِ أن يفعَلوه، فلا خِيارَ لهم فيه، والجميعُ مجمِعون على أن لأهلِ الحقوقِ الخِيارَ في مقاصَّتِهم حقوقَهم بعضَها من بعضٍ. فإذْ تبيَّن فسادُ هذا الوجهِ الذي ذكَرنا، فالصحيحُ من القولِ في ذلك هو ما قلنا.

فإن قال قائلٌ: إذ ذكَرتَ أن معنى قولِه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾. بمعنى: فُرِضَ عليكم القِصاصُ. ولا يُعرفُ لقولِ القائلِ: كتَب. معنًى إلَّا بمعنى. خطَّ ذلك ورسَم خطًّا وكتابًا، فما برهانُك على أن معنَى قولِه: ﴿كُتِبَ﴾: فُرِض؟

قيل: ذلك في كلامِ العربِ موجودٌ، وفي أشعارِهم مستفيضٌ، ومنه قولُ الشاعرِ (٢):

كُتِب القتلُ والقتالُ علينا … وعلى المحصناتِ جرُّ الذيولِ

وقولُ نابغةِ بني جَعْدةَ (٣):

يا بنتَ عمِّي كتابُ اللهِ أَخْرَجني … [عنكم فهل] (٤) أمنعَنَّ اللهَ ما فعَلا

وذلك أكثرُ في أشعارِهم وكلامِهم من أن يُحصَى. غيرَ أن ذلك وإن كان بمعنى "فُرِض"، فإنه عندِي مأخوذٌ من الكتابِ الذي هو رسمٌ وخطٌّ، وذلك أن اللهَ جلَّ ثناؤُه قد كتَبَ جميعَ ما فَرَض على عبادِه، وجميعَ ما هُم عامِلوه


(١) في م، ت ٢: "عن".
(٢) هو عمر بن أبي ربيعة. ينظر: ملحقات ديوانه ص ٤٩٨، والكامل ٣/ ٢٤٦، والعقد الفريد ٤/ ٤٠٧، ٦/ ١١٨، ونسب لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت في بهجة المجالس ٢/ ٥٥.
(٣) شرح ديوانه ص ١٩٤.
(٤) في الديوان: "كرها وهل".