للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومروانَ بنِ الحَكَمِ، قالا: لما كتَب رسولُ اللَّهِ كتابَ القَضِيَّةِ بينَه وبين مُشركي قريشٍ، وذلك بالحديبيةِ عامَ الحديبيةِ، قال لأصحابِه: "قُومُوا فانْحَرُوا واحْلِقُوا". قال: فواللَّهِ ما قام منهم رجلٌ، حتى قال ذلك ثلاثَ مراتٍ، فلما لم يَقُمْ منهم أحدٌ، قام فدخَل على أمِّ سَلَمةَ، فذكَر ذلك لها، فقالت أمُّ سلمةَ: يا نبيَّ اللَّهِ، اخْرُجْ، ثم لا تُكَلِّمْ أحدًا منهم بكلمةٍ حتى تَنْحَرَ بُدْنَك (١)، وتَدْعُوَ حَلَّاقَك فتَحْلِقَ. فقام فخرَج فلم يُكلِّمْ منهم أحدًا، حتى فعَل ذلك، فلما رَأَوْا ذلك قاموا فنَحَروا، وجعَل بعضُهم يَحْلِقُ بعضًا، حتى كاد بعضُهم يَقْتُلُ بعضًا غمًّا (٢).

قالوا: فنحَر النبيُّ هَدْيَه حين صدَّه المشركون عن البيتِ بالحديبيةِ، وحلَّ هو وأصحابُه. قالوا: والحديبيةُ ليست مِن الحرمِ. قالوا: ففي (٣) ذلك دليلٌ واضحٌ على أن معنى قولِه: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾: حتى يَبْلُغَ بالذبحِ أو النحرِ مَحِلَّ أكلِه، والانتفاعُ به في مَحِلِّ ذَبْحِه ونحرِه، كما رُوِي عن نبيِّ اللَّهِ في نظيرِه، إذ أُتِيَ بلحمٍ أهدَتْه (٤) بَرِيرَةُ مِن صَدَقَةِ كان تُصُدِّقَ بها عليها، فقال: "قَرِّبُوهُ فقد بلَغ مَحِلَّهُ" (٥). يعني: فقد بلَغ مَحِلَّ طيبِه وحلالِه له بالهدِيَّةِ إليه بعد أن كانت


(١) في الأصل، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بدنتك".
(٢) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد ٤/ ٣٣١ (الميمنية) من طريق يحيى بن سعيد القطان به، وأخرجه البخاري (١٦٩٤، ١٦٩٥)، والنسائي في الكبرى (٨٨٤٠) من طريق ابن المبارك به.
(٣) بعده في م: "مثل".
(٤) في م: "أتته".
(٥) الثابت في الصحيحين في حديث بريرة؛ أن النبي قال: "هو لها صدقة ولنا هدية". أو: "هو عليها صدقة وهو لنا هدية". ينظر البخاري (١٤٩٣، ١٤٩٥، ٢٥٧٧، ٢٥٧٨، ٥٠٩٧، ٥٢٨٤)، ومسلم (١٠٧٤، ١٠٧٥).
وجاء نحو اللفظ الذي ذكره المصنف من حديث أم عطية الأنصارية أنها أهدت إلى عائشة هدية لحمًا، فقال النبي : "إنها بلغت محلها" ينظر البخاري (١٤٤٦، ١٤٩٤، ٢٥٧٩). =