للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا نُعظِّمَ غيرَها كما نُعظِّمُها نحن الحُمْسَ - والحُمْسُ أهلُ الحرَمِ - ثم جعَلوا لمَن ولَدوا من العربِ من ساكِني الحِلِّ مثلَ الذي لهم بولادتِهم إياهم، فيَحِلُّ لهم ما يَحِلُّ لهم، ويَحْرُمُ عليهم ما يَحْرُمُ عليهم، وكانت كِنانةُ وخُزاعةُ قد دخلوا معهم في ذلك. ثم ابتَدعوا في ذلك أمورًا لم تكنْ، حتى قالوا: لا ينبغي للحُمْسِ أن يَأْتَقِطُوا (١) الأقِطَ، ولا يَسلَئُوا السَّمْنَ وهم حُرُمٌ، ولا يَدخُلوا بيتًا من شَعَرٍ، ولا يستَظِلُّوا إن استظلُّوا إلا في بيوتِ الأدَمِ ما كانوا حُرُمًا (٢). ثم رفَعوا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهلِ الحِلِّ أن يأكُلوا من طعامٍ جاءوا به معهم من الحِلِّ في الحَرَمِ، إذا جاءوا حُجَّاجًا أو عُمَّارًا، ولا يطوفوا بالبيتِ إذا قدِموا أوَّلَ طوافِهم إلا في ثيابِ الحُمْسِ، فإن لم يَجِدوا منها شيئًا طافوا بالبيتِ عُراةً. فحمَلوا على ذلك العربَ فدانَت به، وأخَذوا بما شرَعوا لهم من ذلك، فكانوا على ذلك حتى بعَث اللَّهُ محمدًا ، فأنزَل اللَّهُ حينَ أحكَم له دينَه، وشرَع له حَجَّتَه: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. يعني قريشًا، والناسُ العربُ، فرفَعهم في سُنَّةِ الحَجِّ إلى عرفاتٍ والوقوفِ عليها والإفاضةِ منها، فوضَع اللَّهُ أمرَ الحُمْسِ، وما كانت قريشٌ ابتَدعَت منه عن الناسِ بالإسلامِ حينَ بعَث اللَّهُ رسولَه (٣).

حدَّثنا بحرُ بنُ نصرٍ الخَوْلانيُّ (٤)، قال: ثنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبرَنا أبنُ أبي الزنادِ، عن هشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشة [أنها قالت] (٥): كانت قريشٌ تَقِفُ


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يأقطوا". وائْتقطتُ: اتخذت الأقط. الصحاح (أ ق ط).
(٢) في م: "حراما".
(٣) سيرة ابن هشام ١/ ١٩٩، ٢٠٢، ٢٠٣.
(٤) ليس في: م، ت ١، ت ٢، ت ٣، وغير منقوطة في الأصل. ينظر تهذيب الكمال ٤/ ١٦.
(٥) في م: "قال".