للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُناها، وهو ما وصَفْنا، دون ما ادَّعاه مُخالِفونا في ذلك، للعللِ التي قد بيَّنَّا.

فإن قال (١): فما بالُ الأحرفِ الأُخَرِ الستةِ غيرُ موجودةٍ، إن كان الأمرُ في ذلك على ما وصَفْتَ، وقد أقْرَأَهن رسولُ اللَّهِ أصحابَه، وأمَر بالقراءةِ بهن، وأنْزَلَهن اللَّهُ مِن عندِه على نبيِّه ، أنُسِخَت فرُفِعَت، فما الدَّلالةُ على نَسْخِها ورَفْعِها؟ أمْ نسِيَتْهن الأمةُ؟ فذلك تَضْييعُ ما قد أُمِروا بحفظِه، أم ما القصةُ في ذلك؟

قيل له: لم تُنْسَخْ فتُرْفَعَ، ولا ضيَّعَتْها الأمَّةُ وهي مأمورةٌ بحفظِها، ولكنَّ الأمَّةَ أُمِرَت بحفظِ القرآنِ، وخُيِّرَت في قراءتِه وحفظِه بأيِّ تلك الأحرفِ السبعةِ شاءَت، كما أُمِرَت إذا هي حنَثَتْ في يمينٍ وهي مُوسِرةٌ، أن تُكَفِّرَ بأيِّ الكفَّاراتِ الثلاثِ شاءت؛ إما بعتقٍ، أو إطعامٍ، أو كِسوةٍ، فلو أجْمَعَ جميعُها على التكفيرِ فيها (٢) بواحدةٍ مِن الكفاراتِ الثلاثِ، دونَ حَظْرِها التكفيرَ فيها (٣) بأيِّ الثلاثِ شاء المُكَفِّرُ، كانت مُصيبةً حُكْمَ اللَّهِ، مُؤَدِّيةٌ في ذلك الواجبَ عليها مِن حقِّ اللَّهِ. فكذلك الأمةُ أُمِرَت بحفظِ القرآنِ وقراءتِه، وخُيِّرَت في قراءتِه بأيِّ الأحرفِ السبعةِ شاءت، فرأَتْ -لعلةٍ مِن العللِ أوْجَبَت عليها الثباتَ على حرفٍ واحد- قراءتَه بحرفٍ واحدٍ، ورفْضَ القراءةِ بالأحرفِ الستةِ الباقيةِ، ولم تَحْظُرْ قراءتَه بجميعِ حروفِه على قارئِه، بما أُذِن له في قراءتِه به.

فإن قال: وما العلةُ التي أوْجَبَت عليها الثباتَ على حرفٍ واحدٍ دونَ سائرِ الأحرفِ الستةِ الباقيةِ؟


(١) بعده في ر: "قائل".
(٢) زيادة من: ر.
(٣) سقط من: ص، وفي ت ١: "بها".