للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي لم يُؤْتِها أحدًا في تنزيلِه؛ وذلك أن كلَّ كتابٍ تقَدَّم كتابَنا نزولُه على نبيٍّ مِن أنبياءِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهم، فإنما نزَل بلسانٍ واحدٍ، متى حُوِّل إلى غيرِ اللسانِ الذي نزَل به كان ذلك له ترجمةً (١) وتفسيرًا، لا تلاوةً له على ما أنْزَله اللَّهُ، وأنْزَل كتابَنا بألسنٍ سبعةٍ، بأيِّ تلك الألسنِ السبعةِ تلاه التالي كان له تاليًا على ما أنْزَله اللَّهُ لا مُتَرْجِمًا ولا مُفَسِّرًا، حتى يُحَوِّلَه عن تلك الألسنِ السبعةِ إلى غيرِها، فيصيرَ فاعلُ ذلك حينَئذٍ - إذا أصاب معناه - له مترجِمًا، كما كان التالي بعضَ (٢) الكتبِ التي أنْزَلها اللَّهُ بلسانٍ واحدٍ، إذا تلاه بغيرِ اللسانِ الذي نزَل به، له مترجِمًا، لا تاليًا على ما أنْزَله اللَّهُ به.

فذلك معنى قولِ النبيِّ : "كان الكِتابُ الأوَّلُ نَزَل على حَرْفٍ واحِدٍ، ونَزَل القُرآنُ على سبعةِ أحْرُفٍ".

وأما معنى قولِه : "إِنَّ الكِتابَ الأوَّلَ نَزَل مِن بابٍ واحِدٍ، ونَزَل القُرآنُ مِن سبعةِ أبْوابٍ". فإنه عنَى بقولِه: "نَزَل الكِتابُ الأوَّلُ مِن بابٍ واحِدٍ" - واللَّهُ أعلمُ - ما نزَل مِن كتبِ اللَّهِ على مَن أنْزَله مِن أنبيائِه، خاليًا مِن الحدودِ والأحكامِ والحلالِ والحرامِ، كزَبورِ داودَ، الذي إنما هو تذكيرٌ ومَواعظُ، وإنجيلُ عيسى، الذي هو تَمْجيدٌ ومَحامدُ وحضٌّ على الصَّفْحِ والإعْراضِ، دونَ غيرِها مِن الأحكامِ والشرائعِ، وما أشْبَهَ ذلك مِن الكتبِ التي نزَلت ببعضِ المعاني السبعةِ التي يَحْوِي جميعَها كتابُنا الذي خصَّ اللَّهُ به نبيَّنا محمدًا وأمَّتَه.

فلم يكنِ المتعبِّدون بإقامتِه يَجِدون لرِضَا اللَّهِ تعالى ذكرُه مَطْلَبًا يَنالُون به الجنةَ،


(١) الترجمة هنا: البيان.
(٢) في ص، م: "لبعض".