للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانوا أحزَمَ منَّا، لو صنَعْنا كما صنَعوا بقِينا، ولئن وقَع الطاعونُ ثانيةً لَنَخْرُجَنَّ مَعَهم. فوقع في قابلٍ فهربوا، وهم بضعةٌ وثلاثون ألفًا، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو وادٍ أفيحُ (١)، فناداهم ملَكٌ من أسفل الوادى، وآخَرُ مِن أعلاه: أن موتوا. فماتوا، حتى إذا هلَكوا وبَليت (٢) أجسادُهم، مرَّ بهم نبيٌّ يقالُ له: حِزْقيلُ. فلما رآهم وقف عليهم، فجعَل يَتَفَكَّرُ فيهم ويَلْوِى شِدْقَيه (٣) وأصابعَه، فأوحى الله إليه: يا حِزْقِيلُ، أَتُرِيدُ أن أُرِيَك فيهم كيف أُحْيِيهم؟ [قال: نعم] (٤). قال: وإنما كان تَفَكُّرُه أنه تعجَّب من قدرةِ الله عليهم فقال: نعم. فقيل له: نادِ. فنادَى: يا أيَّتُها العظامُ، إن الله يَأْمُرُكِ أن تجتمعي. فجعلت تطيرُ العظام بعضُها إلى بعضٍ حتى كانت أجسادًا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن نادِ: يا أَيَّتُها العظام، إن الله يأمُرُكِ أن تكْتَسى لحمًا. فاكْتَست لحمًا ودمًا وثيابَها التي ماتت فيها وهى عليها، ثم قيل له: نادِ. فنادَى: يا أَيَّتُها الأجسادُ، إن الله يأمُرُكِ أن تقومى. فقاموا (٥).

حدَّثني موسى، قال: ثنا عَمرُو، قال: ثنا أسباطُ، فزعم منصورُ بنُ المُعْتَمِرِ، عن مجاهدٍ أنهم قالوا حين أُحْيُوا: سبحانَك ربَّنا وبحمدك، لا إلهَ إلا أنت. فرجَعوا إلى قومهم أحياءً، يَعْرِفون أنهم كانوا موتى، سَحْنَةٌ (٦) الموت على وجوههم، لا يَلْبَسون ثوبًا إِلَّا عاد (٧) دَسِمًا (٨) مثل الكفن، حتى ماتوا لآجالهم


(١) أفيح: واسع. تاج العروس (ف و ح).
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "بقيت".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "شدقته".
(٤) سقط من: م.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٥٨ (٢٤٢٢) من طريق عمرو به. وينظر تاريخ المصنف ١/ ٤٥٨، وتفسير ابن أبي حاتم ٢/ ٤٥٥ (٢٤٢٠).
(٦) السحنة: الهيئة واللون والحال. اللسان (س ح ن).
(٧) بعده في النسخ: "كفنا". والمثبت كما في تاريخ المصنف.
(٨) يقال: ثياب دُسْم، يعنى وسخة. الصحاح (د س م).