للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانصرَف عنه المَلَكُ، فمكَثَ أيامًا، ثم أقبَل إليه في صورةِ ذلك الرجلِ الذي كان (١) جاءه، فقعَد بينَ يدَيْه، فقال له إرْميا: مَن أنت؟ قال: أنا الرجلُ الذي أَتَيْتُك أستفتِيك (١) في شأنِ أهلي. فقال له نبيُّ اللَّهِ : أوَ ما طَهُرَت لك أخلاقُهم بعدُ، ولم تَرَ منهم الذي تُحِبُّ؟ فقال: يا نبيَّ اللَّهِ، والذي بعثَك بالحقِّ ما أعْلَمُ كرامةً يَأْتيها أحدٌ مِن الناسِ إلى أهلِ رَحِمِه إلا وقد أتَيْتُها إليهم، وأفضلَ مِن ذلك. فقال النبيُّ: ارْجِعْ إلى أهلِك، فأَحسِنْ إليهم، أسألُ اللَّهَ الذي يُصْلِحُ عبادَه الصالحين، أن يُصْلِحَ ذاتَ بينِكم، وأن يَجْمَعَكم على مَرضاتِه، ويُجَنِّبَكُم سَخَطَه.

فقام الملَكُ مِن عندِه، فلبِث أيامًا، وقد نزَل بُخْتُ نَصَّرَ وجنودُه حولَ بيتِ المقدسِ بأكثرَ مِن الجرادِ، ففزِع منهم بنو إسرائيلَ فزَعًا شديدًا، وشَقَّ ذلك على ملِكِ بني إسرائيلَ، فدعا إرْمِيَا، فقال: يا نبيَّ اللَّهِ، أين ما وعدَك اللَّهُ؟ فقال: إني بربِّي واثقٌ.

ثم إن الملَكَ أقبَل إلى إرمِيَا وهو قاعدٌ على جدارِ بيتِ المقدسِ يَضْحَكُ ويَسْتَبْشِرُ بنصرِ ربِّه الذي وعدَه، فقعَد بينَ يديْه، فقال له إرميا: مَن أنت؟ قال: أنا الذي كُنْتُ أتَيْتُكَ في شأنِ أهلي مرتَين. فقال له النبيُّ: أو لم يأْنِ لهم أن يُفِيقُوا مِن الذي هم فيه؟ فقال الملَكُ: يا نبيَّ اللَّهِ، كلُّ شيءٍ كان يُصِيبُني منهم قبلَ اليومِ كُنْتُ أصبِرُ عليه، وأعْلَمُ [أنّ ما بهم] (٢) في ذلك سَخَطى، فلما أتَيْتُهم اليومَ رَأَيْتُهم في عملٍ لا يُرْضِى اللَّهَ، ولا يُحِبُّه اللَّهُ. فقال له النبيُّ: على أيِّ عملٍ رَأَيْتَهم؟ قال: يا نبيَّ اللَّهِ، رَأَيْتُهم على عملٍ عظيمٍ مِن سَخَطِ اللَّهِ، فلو كانوا على مثلِ ما كانوا عليه قبلَ


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) في ص: "أنما لهم"، وفى م: "أنما قصدهم"، وفى ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أيمانهم"، وفى التاريخ: "أن مآلهم"، وفى نسخة منه كالمثبت، والعرب تقول: ما بك إلا مساءتي. أي ما تريد إلا مساءتي.