للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن العربَ تقولُ: بات يَصْرِى في حَوْضِه، إذا استَقَى، ثم قَطَع واستَقَى. ومن ذلك قولُ الشاعرِ (١):

صرَت نظرةً لو صادفت جَوْزَ دارعٍ … غدًا والعواصِي مِن دمِ الجوفِ تَنْعَرُ (٢)

يعني: قَطَعَتْ نظرةً. ومنه قولُ الآخرِ (٣):

يقولون إن الشامَ يَقْتُلُ أَهلَهُ … فَمَنْ ليَ إنْ (٤) لم آتِهِ بخلودِ

تَعَرَّبَ آبائي فهلَّا صِرَاهُمُ … مِن الموت أن لم يَذْهَبُوا وجُدُودِى

يعنِى: قَطَعَهم. ثم نُقِلت ياؤُها التي هي لامُ الفعلِ فجُعِلَتْ عينًا للفعلِ، وحُوِّلتْ عينُها فجُعِلتْ لامها، فقيل: صار يَصِيرُ. كما قِيل: عَثِى يَعْثَى عَثًا. ثم حُوِّلت لامُها، فجُعِلتْ عينها، فقيل: عاث يَعِيثُ.

وأما نحويُّو البصرة فإنهم قالوا: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ سواءٌ معناه إِذا قُرِئَ بالضمِّ مِن الصادِ وبالكسرِ، في أنه مَعْنِيٌّ به في هذا الموضعِ التقطيعُ. قالوا: وهما لغتان: إحداهما، صارَ يصُورُ، والأخرَى، صار يَصِيرُ. واستشهدُوا على ذلك ببيتٍ تَوْبَةَ بن الحُمَيِّرِ الذي ذكرناه قبلُ، وببيت المُعَلَّى بن جمَّالٍ (٥) العبديِّ:

وجاءَتْ خُلْعَةٌ دُهْسٌ صَفَايَا … يَصُورُ عُنُوقَها أَحْوَى زَنِيمُ (٦)


(١) البيت في معاني القرآن للفراء ١/ ١٧٤، واللسان (ن ع ر، ع ص ي) غير منسوب.
(٢) الجوز: وسط الشيء. والعواصى: العروق. وتنعر: تفور. التاج (ج و ز، ع ص ي، ن ع ر).
(٣) البيتان في معاني القرآن للفراء ١/ ١٧٤، والبيت الأول في اللسان (ش أ م)، والثاني في اللسان (ع ر ب) مع اختلاف في الرواية.
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢: "إذا".
(٥) في ص، م، ت ١، ت ٢: "حماد". والبيت في مجاز القرآن ١/ ٨١، والأضداد ص ٣٧، واللسان (ص و ر، ده س، خ ل ع، ز ن م).
(٦) الخلعة: خيار المال. دهس: جمع دهساء، والدهساء من الضأن التي على لون الرمل والصفايا: =