للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكِبرُ وله ذرِّيةٌ ضعفاءُ صِغارٌ أطفالٌ، ﴿فَأَصَابَهَا﴾. يعنى: فأصاب الجنةَ ﴿إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾. يعنى بذلك أن جنَّتَه تلك أَحْرَقتها الريحُ التي فيها النارُ في حالِ حاجتِه إليها، وضرورتِه إلى ثمرِها، بكبرِه وضعفِه عن عمارتِها، وفي حالِ صِغَرِ ولدِه وعجزِهم (١) عن إحيائِها والقيامِ عليها، فبَقى لا شيءَ له، أحوجَ ما كان إلى جنَّتِه وثمارِها، بالآفةِ التي أصابتْها من الإعصارِ الذي فيه النارُ. يقولُ: فكذلك المنافقُ المُنْفِقُ مالَه رياءَ الناس، أَطْفأ اللهُ نورَه، وأَذْهَب نماءَ (٢) عملِه، وأَحْبَط أجرَه حين (٣) لَقِيه وعاد إليه أحوجَ ما كان إلى عملِه، حينَ لا مُسْتعتَبَ له، ولا إقالةَ من ذنوبِه ولا توْبةَ له، واضْمَحَلَّ عملُه، كما احْتَرقت الجنةُ التي وصَف جلَّ ثناؤُه صفتَها، عندَ كِبَرِ صاحبِها وطفولةِ ذرِّيتِه، أحوجَ ما كان إليها، فبطَلت منافعُها عنه.

وهذا المثلُ الذي ضرَبه اللهُ ﷿ للمنافقين المُنْفِقين أموالَهم رياءَ الناس في هذه الآيةِ، نظيرُ المثلِ الآخرِ الذي ضرَبه لهم بقولِه: ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾.

وقد تنازَع أهلُ التأويلِ في تأويلِ هذه الآيةِ، إلا أن معانيَ قولِهم في ذلك - وإن اخْتَلفت تصاريفُهم فيها - عائدةٌ إلى المعنى الذي قلنا في ذلك، وأحسنُهم إبانةً لمعناها وأقربُهم إلى الصوابِ قولًا فيها السُّدِّيُّ.

حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ إلى قولِه: ﴿فَاحْتَرَقَتْ﴾: هذا مثلٌ آخرُ لنفقةِ الرياءِ، أَنه يُنفِقُ مالَه يرائي


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢: "عجزه".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢: "بهاء".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢: "حتى".