للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نارًا. ثم أُسقِط ذكرُ الاستضاءةِ وأُضِيف المثلُ إليهم، كما قال نابغةُ بني جَعْدةَ (١):

وكيف تواصِلُ من أصْبَحتْ … خِلالتُه (٢) كأبي مَرْحَبِ (٣)

يريدُ: كخِلالةِ أبي مرحبٍ. فأسْقَط "خِلالَةَ"؛ إذ كان فيما أظْهَر من الكلامِ دلالةٌ لسامعيه على ما حذَف منه.

فكذلك القولُ في قولِه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ لما كان معلومًا عندَ سامعيه بما ظهَر (٤) من الكلامِ أن المثَلَ إنما ضُرِب لاستضاءةِ القومِ بالإقرارِ دونَ أعيانِ أجسامِهم، حسُن حذفُ ذكرِ الاستضاءةِ وإضافةُ المثلِ إلى أهلِه، والمقصودُ بالمثَل ما ذكَرنا. فلِما وصَفنا جاز وحسُن قولُه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾. وتَشْبيهُ (٥) مثَلِ الجماعةِ في اللفظِ بالواحدِ، إذ كان المرادُ بالمثَلِ الواحدَ في المعنى. وأما إذا أُريد تشبيهُ الجماعةِ من أعيانِ بني آدمَ، أو أعيانِ ذوي الصورِ والأجسامِ بشيْءٍ، فالصوابُ من الكلامِ تشبيهُ الجماعةِ بالجماعةِ، والواحدِ بالواحدِ؛ لأن عينَ كلِّ واحدٍ منهم غيرُ أعيانِ الآخرينَ، ولذلك من المعنى افْتَرَق القولُ في تشبيهِ الأفعالِ والأسماءِ، فجاز تشبيهُ أفعالِ الجماعةِ من الناسِ وغيرهم - [إذا كانت] (٦) بمعنًى واحدٍ - بفعلِ الواحدِ، ثم حذفُ أسماءِ الأفعالِ، وإضافةُ المثَلِ والتشبيهِ إلى الذين لهم الفعلُ، فيقالُ: ما أفعالُكم إلا كفعلِ الكلبِ. ثم


(١) شعر النابغة الجعدي ص ٢٦.
(٢) الخلالة والخلة: الصداقة المختصة التي ليس فيها خلل. اللسان (خ ل ل)، والبيت فيه.
(٣) أبو مرحب: كنية الظل. اللسان (ر ح ب)، والبيت فيه.
(٤) في ص، م، ت ١: "أظهر".
(٥) في ص، م، ت ٢: "يشبه".
(٦) في ت ٢: "إذا كان"، وفي ت ١: "إذ كانوا".