للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذي الفهمِ على ما فيه له الكفايةُ إن شاء اللهُ.

وإن قال لنا قائلٌ: أخبِرْنا عن استواءِ اللهِ جلَّ وعز إلى السماءِ، كان قبلَ خلْقِ السماءِ أم بعدَه؟

قيل: بعدَه، وقبلَ أن يسوِّيَهن سبعَ سماواتٍ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [فصلت: ١١].

فالاستواءُ كان بعد أن خلَقها دخانًا، وقبل أن يسَوِّيَها سبعَ سماواتٍ.

وقال بعضُهم: إنما قال (١): ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ ولا سماءَ، كقولِ الرجلِ لآخَرَ: اعمَلْ هذا الثوبَ. وإنما معه غزلٌ.

وأما قولُه: ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾. فإنه يعني: هيَّأَهُنَّ وخلَقهن ودبَّرهن وقوَّمهن.

والتسويةُ في كلامِ العربِ التقويمُ والإصلاحُ والتوطئةُ، كما يقالُ: سوَّى فلانٌ لفلانٍ هذا الأمرَ. إذا قوَّمه وأصلَحه ووطَّأَه له، فكذلك تسويةُ اللهِ جلَّ وعز سماواتِه، تَقويمُه إياهن على مشيئتِه، وتدبيرُه لهن على إرادتِه، وتفتيقُهن بعد ارْتِتاقِهن (٢).

كما حُدِّثْتُ عن عمارِ بنِ الحسنِ، قال: حدَّثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بنِ أنسٍ: ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ يقولُ: سوّى خْلَقَهنّ، ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (٣).

وقال جلّ ذكرُه: ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾. فأخرَج مَكنِيَّهن (٤) مُخرجَ مَكْنيِّ الجميعِ،


(١) في الأصل، ر: "قيل".
(٢) في ص: "بتامتهن"، وفي م: "ارتاقهن".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٧٥ (٣١٠) من طريق أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٤٣ إلى المصنف عن أبي العالية. وتقدم أوله في ص ٤٥٦.
(٤) في ر: "مكينهن". والمكنى هو الضمير في اصطلاح نحويي الكوفة. ينظر ص ٤٥٣.