للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال قبلُ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ فأخرَجها على تقديرِ الواحدِ، وإنما أخرَج مَكنِيَّهن مُخرَجَ مَكْنيِّ الجميعِ؛ لأن السماءَ جمعٌ، واحدُها سماوَةٌ، فتقديرُ واحدتِها وجميعِها إذن تقديرُ بقرةٍ وبقرٍ، ونخلةٍ ونخلٍ، وما أشبهَ ذلك، ولذلك أُنِّثت السماءُ مرةً، فقيل: هذه سماءٌ. وذُكِّرت أُخرى، فقيل: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: ١٨]. كما يُفعَلُ ذلك بالجميعِ الذي لا فرْقَ بينَه وبين واحدِه غيرُ دخولِ الهاءِ وخروجِها، فيقالُ: هذا بقرٌ، وهذه بقرٌ، وهذا نخلٌ، وهذه نخلٌ. وما أشبهَ ذلك.

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يزعُمُ أن السماءَ واحدةٌ، غيرَ أنها تدُلُّ على السماواتِ، فقيل: ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾. يُراد بذلك التي ذُكرتْ وما دلَّتْ عليه من سائرِ السماواتِ التي لم تُذكرْ معها. قال: وإنما تُذكَّرُ إذا ذُكِّرتْ وهي مؤنثةٌ، فيقالُ: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾. كما يُذَكَّرُ المؤنثُ، وكما قال الشاعرُ (١):

فلا مُزْنةٌ ودَقَتْ وَدْقَها … ولا أرضَ أبْقَلَ إبْقالَها

وكما قال أعْشى بني ثعلبةَ (٢):

فإمّا تَرَىْ لِمَّتِى بُدِّلَتْ … فإنَّ الحوادثَ أزْرَى بها

وقال بعضُهم: السماءُ وإن كانت سماءً فوقَ سماءٍ، وأرضًا فوقَ أرضٍ، فهي في التأويلِ واحدةٌ إن شئتَ، ثم تكونُ تلك الواحدةُ جِماعًا، كما يقالُ: ثوبٌ


(١) البيت لعامر بن جوين الطائي، وهو في الكتاب ٢/ ٤٦، والخزانة ١/ ٤٥.
(٢) ديوانه ١٧١، وروايته:
فإن تعهديني ولى لمة … فإن الحوادث ألوى بها