للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسكَت عنها، وكان اليومُ، فيما يَذْكُرون، على إبراهيمَ في الشَّبابِ كالشهرِ، والشهرُ كالسنةِ، فلم يَلْبَثْ إبراهيمُ في المغارةِ إلا [خمسةَ عشَرَ شهرًا] (١)، حتى قال لأمِّه: أخْرِجِيني أَنْظُرْ. فأخرَجَته عِشاءً، فنظَر وتفَكَّر في خلقِ السماواتِ والأرضِ، وقال: إن الذي خلَقَني ورزَقَني وأطْعَمَني وسقاني لرَبي، مالي إلهٌ غيرُه. ثم نظَر في السماءِ فرأَى كوكبًا، قال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾. ثم اتَّبَعَه يَنْظُرُ إليه ببصرِه (٢) حتى غاب، ﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾، ثم أطْلَع (٣) القمرُ فرآه بازغًا، قال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾. ثم أتْبَعَه بصرَه حتى غاب، ﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ فلمَّا دخَل عليه النهارُ وطَلَعت الشمسُ، أعظَمَ الشمسَ، ورأَى شيئًا هو أعظمَ نورًا مِن كلِّ شيءٍ رآه قبلَ ذلك، فقال: ﴿هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾ فلما أفلت قال: ﴿يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. ثم رجَع إبراهيمُ إلى أبيه آزرَ وقد اسْتَقامت وِجْهتُه، وعرَف ربَّه، وبرِئ مِن دينِ قومِه، إلا أنه لم يُبادِهم (٤) بذلك، وأخْبرَه (٥) أنه ابنُه، وأَخْبَرَته أمُّ إبراهيمَ أنه ابنُه، وأَخْبَرَته بما كانت صنَعَت في (٦) شأنِه، فسُرَّ بذلك آزرُ وفرِح فرحًا شديدًا، وكان آزرُ يَصْنَعُ أصنامَ قومِه التي يَعْبُدونها، ثم يُعْطِيها إبراهيمَ يَبِيعُها، فيَذْهَبُ بها إبراهيمُ فيما يَذْكُرون، فيقولُ: مَن يَشْتَرِى مَا يَضُرُّه ولا يَنْفَعُه؟ فلا


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "خمس عشرة".
(٢) في ص: "يبصره".
(٣) في م: "طلع".
(٤) في م: "يبادئهم". وبادى فلان بالعداوة: جاهر بها. اللسان (ب د ي).
(٥) في م: "أخبر".
(٦) في م: "من".