للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَشْتَرِيها منه أحدٌ، وإذا بارَت (١) عليه، ذهَب بها إلى نهرٍ، فصوَّب (٢) فيه رءوسَها، وقال: اشْرَبي. اسْتِهزاءً بقومِه، وما هم عليه من الضلالِة، حتى فشا عيبُه إياها واستهزاؤُه بها في قومِه وأهلِ قريتِه، مِن غيرِ أن يَكونَ ذلك بلَغ نُمْرودَ الملكَ (٣).

وأنْكَر قومٌ من غيرِ أهلِ الرِّوايةِ هذا القولَ الذي رُوِي عن ابنِ عباسٍ، وعمَّن رُوِي عنه، من أن إبراهيمَ قال للكوكبِ أو للقمرِ: ﴿هَذَا رَبِّي﴾. وقالوا: غيرُ جائزٍ أن يكونَ للهِ نبيٌّ ابْتَعَثه بالرسالةِ، أتَى عليه وقتٌ من الأوقاتِ وهو بالغٌ، إلا وهو للهِ مُوَحِّدٌ، وبه عارفٌ، ومِن كلِّ ما يُعْبَدُ مِن دونِه بَرِئٌ. قالوا: ولو جاز أن يكونَ قد أتَى عليه بعضُ الأوقاتِ وهو به كافرٌ، لم يَجُزْ أن يَخْتَصَّه بالرسالةِ؛ لأنه لا معنى فيه إلا وفي غيرِه منِ أهلِ الكفر به مثلُه، وليس بينَ اللهِ وبينَ أحدٍ مِن خلقِه مُناسبةٌ فيُحابِيَه باخْتِصاصِه بالكرامةِ. قالوا: وإنما أَكْرَم مَن أَكْرَم منهم لفضلِه في نفسِه، فأثابه لاسْتِحقاقِه الثوابَ بما أثابه مِن الكرامةِ. وزعَموا أن خبرَ اللهِ عن قيلِ إبراهيمَ عندَ رؤيتِه الكوكبَ، أو القمرَ، أو الشمسَ: ﴿هَذَا رَبِّي﴾. لم يَكُن لجهلِه بأن ذلك غيرُ جائزٍ أن يَكونَ ربَّه، وإنما قال ذلك على وجهِ الإنكارِ منه أن يكونَ ذلك ربَّه، وعلى العيبِ لقومِه في عبادتِهم الأصنامَ، إذ كان الكوكبُ والقمرُ والشمسُ أضْوَأَ وأحسنَ وأبهجَ مِن الأصنامِ، ولم تكنْ مع ذلك معبودةً (٤)، وكانت آفِلةً زائلةً غيرَ دائمةٍ، والأصنامُ التي دونَها في الحسنِ، وأصغرُ منها في الجسمِ، أحقُّ (٥) ألا


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "بات".
(٢) في النسخ: "فضرب". والمثبت من تاريخ المصنف، وصوب رءوسها: نكسها. التاج (ص و ب).
(٣) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٢٣٤ - ٢٣٦.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية ١/ ٣٣١ وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها، ولاسيما إذا خالفت الحق. وتقدم أوله في ص ٣٤٣.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "معبودًا".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "وأحق".