حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن الشعبيِّ، قال: قالت عائشةُ: مَن قال: إن أحدًا رأى ربَّه. فقد أعْظَم الفِرْيَةَ على اللهِ، قال اللهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ (١).
فقال قائلو هذه المقالةِ: معنى الإدراكِ في هذا الموضعِ: الرؤيةُ. وأنكروا أن يَكونَ اللهُ يُرَى بالأبصارِ في الدنيا والآخرةِ. وتأوَّلوا قولَه: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾. بمعنى انْتظارِها رحمةَ اللهِ وثوابَه.
وتأَوَّل بعضُهم في الأخبارِ التي رُوِيت عن رسولِ اللهِ ﷺ بتصحيحِ القولِ برؤيةِ أهلِ الجنةِ ربَّهم يومَ القيامةِ تأويلاتٍ. وأنكَر بعضُهم مجيئَها، ودافَعوا أن يَكونَ ذلك مِن قولِ رسولِ اللهِ ﷺ، وردُّوا القولَ فيه إلى عقولِهم، فزعَموا أن عقولَهم تُحِيلُ جوازَ الرؤيةِ على اللهِ ﷿ بالأبصارِ، وأتَوْا في ذلك بضروبٍ مِن التَّمْويهاتِ، وأكْثَروا القولَ فيه مِن جهةِ الاسْتِخْراجاتِ. وكان من أجلِّ ما زعَموا أنهم علِموا به صحةَ قولِهم ذلك مِن الدليلِ، أنهم لم يَجِدوا أبصارَهم تَرَى شيئًا إلا ما بايَنها دونَ ما لاصَقَها، فإنها لا تَرَى ما لاصَقَها. قالوا: فما كان للأبصارِ مُبايِنًا مما عايَنَتْه، فإن بينَه وبينَها فَضاءً وفُرْجةً. قالوا: فإن كانت الأبصارُ تَرَى ربَّها يومَ القيامةِ على نحوِ ما تَرَى الأشخاصَ اليومَ، فقد وجَب أن يَكونَ الصانعُ محدودًا. قالوا: ومَن وصَفَه بذلك فقد وصَفَه بصفاتِ الأجسامِ التي يَجوزُ عليها الزيادةُ والنقصانُ.
قالوا: وأُخرى، أن مِن شأنِ الأبصارِ أن تُدْرِكَ الألوانَ، كما مِن شأنِ الأسماعِ