للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريج، عن ابنِ طاوسٍ، عن أبيه: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾. قال: ما يُؤْكَلُ. قلتُ: فى الجاهليةِ؟ قال: نعم. وكذلك كان يقولُ: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾. قال ابنُ جريج: وأَخْبَرنى إبراهيمُ بنُ أبى بكرٍ، عن مجاهدٍ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾. قال: مما كانَ فى الجاهليةِ يأكلونَ، لا أجدُ محرَّمًا من ذلك على طاعمٍ يطعمُه إلا أن يكونَ ميتةً أو دمًا مسفوحًا.

وأما قولُه: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾. فإنَّ معناه: أو دمًا مُسَالًا مُهَرَاقًا، يقالُ منه: سفَحْتُ دمَه، إذا أرَقْتَه، أَسْفَحُه سَفْحًا، فهو دمٌ مَسْفوحٌ، كما قال طَرَفةُ بنُ العَبْدِ (١):

إنى وجَدِّك ما هجَوْتُك والـ … أنْصابِ يُسْفَحُ فوقَهن دمُ

وكما قال عَبِيدُ بنُ الأبْرصِ (٢):

إذا ما عادَه منها (٣) نساءٌ … سفَحْن الدَّمْعَ مِن بعدِ الرَّنينِ

يعنى: صبَبْنَ وأسَلْنَ الدمعَ.

وفى اشْتِراطِه جلَّ ثناؤُه فى الدمِ عندَ إعلامِه عبادَه تحريمَه إياه، المَسْفوحَ منه دونَ غيرِه - الدليلُ الواضحُ أنَّ ما لم يَكُنْ منه مسفوحًا فحلالٌ غيرُ نَجِسٍ.

وذلك كالذى حدَّثنا ابنُ وَكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُيينةَ، عن عمرٍو، عن عكرمةَ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾. قال: لولا هذه الآيةُ لَتَتَبَّع المسلمون مِن العُروقِ ما تَتَبَّعَتِ اليهودُ.


(١) ديوانه ص ١٤٧.
(٢) ديوانه ص ١٣٤.
(٣) فى النسخ: "منا". والمثبت من الديوان، والضمير فيه يرجع إلى طعنة برمح كان قد تكلم عنها فى الأبيات قبله.