للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ترَكه في الماءِ، حتى إذا غرَبت (١) الشمس من يوم الأحدِ اجْترَّه بالخيط ثم شواه، فوجَد جارٌ له ريحَ حوتٍ، فقال: يا فلان إِنِّي أجدُ في بيتك ريحَ نُونٍ. فقال: لا. قال: فتطَلَّعَ في تنُّورِه فإذا هو فيه، فأخبره حينئذٍ الخبرَ. فقال: إِنِّي أَرَى اللَّهَ سَيُعذِّبُك. قال: فلمَّا لم يَرَه عُجِّل عذابًا، فلما أتى السبتُ الآخرُ أخذَ اثنين فربَطَهما، ثم اطَّلَعَ جَارٌ له عليه، فلمَّا رآه لم يُعجَّلْ عذابًا جعلوا يصيدونَه، فاطَّلعَ أهل القرية عليهم، فنهاهم الذين ينهَون عن المنكر، فكانوا فرقتَيْن؛ فرقةٌ تنهاهم وتكُفُّ، وفرقةٌ تنهاهم ولا تكُفُّ، فقال الذين نَهَوا وكَفُّوا للذين ينْهَوْن ولا يكفُّون: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾؟ فقال الآخرون: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾. فقال الله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ إلى قوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾. قال الله: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾. وقال لهم أهل تلك القريةِ: عمِلتم بعمل سُوءٍ، من كان يريدُ يعتزل ويتطَهَّرُ فليعتزِلْ هؤلاء. قال: فاعتزل هؤلاء وهؤلاءِ في مدينتهم، وضربوا بينهم سورًا، فجعلوا في ذلك السور أبوابا يخرج بعضُهم إلى بعضٍ. قال: فلما كان الليلُ طَرقَهم الله بعذاب، فأصبَح أولئك المؤمنون لا يرون منهم أحدًا، فدخلوا عليهم، فإذا هم قردةٌ؛ الرجلُ وأزواجه وأولاده، فجعلوا يدخلون على الرجل يعرفونَه، فيقولون: يا فلان ألم نحذِّرك سَطُواتِ اللَّهِ؟ ألم نُحذِّرْك نِقماتِ اللهِ؟ ونحذِّرْك ونحذِّرْك؟ قال: فليسَ إلا بكاءٌ (٢). قال: وإنما عذَّب الله الذين ظلموا، الذين أقاموا على ذلك. قال: وأما الذين نَهَوا فكلُّهم قد نَهى، ولكن بعضهم أفضلُ من بعضٍ. فقرأ: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (٣).


(١) بعده في ص، ت ١، ت ٢ ت ٣، س، ف: "له".
(٢) في ص، س، ف: "تكاكا"، وفي ت ١: "بكاء كما".
(٣) تقدم تخريج أوله في ص ٥١١.