للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَغَائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤ - ٥٦]. فسرَى موسى ببنى إسرائيلَ حتى هجَموا على البحرِ، فالْتَفَتوا، فإذا هم برَهَجِ (١) دوابِّ فرعونَ فقالُوا: يا موسى: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف: ١٢٩]. هذا البحرُ أمامَنا، وهذا فرعونُ قد رَهِقَنا (٢) بمَن معه: ﴿قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩]. قال: فأوْحَى اللهُ جل ثناؤُه إلى موسى ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾. وأوْحَى إلى البحرِ أنِ اسْمَعْ لموسى، وأَطِعْ إذا ضرَبك. قال: فبات (٣) البحرُ له أَفْكَلٌ -يعنى: له رِعْدةٌ- لا يَدْرِى مِن أىِّ جَوانبِه يَضْرِبُه. قال: فقال يُوشَعُ لموسى: بما أُمِرْتَ؟ قال: أُمِرْتُ أن أَضْرِبَ البحرَ. قال: فاضْرِبْه. قال: فضرَب موسى البحرَ بعصاه، فانْفَلَق، فكان فيه اثنا عشَرَ طريقًا، كلُّ طريقٍ كالطَّوْدِ العظيمِ، فكان لكلِّ سِبْطٍ منهم طريقٌ يَأْخُذون فيه، فلمَّا أخَذوا في الطريقِ، قال بعضُهم لبعضٍ: ما لنا لا نَرَى أصحابَنا؟ قالوا لموسى: أين أصحابُنا لا نَرَاهم؟ قال: سِيروا فإنهم على طريقٍ مثلِ طريقِكم. قالوا: لا نَرْضَى حتى نَرَاهم.

قال سفيانُ: قال عمارٌ الدُّهْنىُّ: قال موسى: اللهمَّ أعِنِّى على أخلاقِهم السيئةِ. قال: فأوْحَى اللهُ إليه أن قُلْ بعصاك هكذا. وأوْمَأ إبراهيمُ بيدِه يُدِيرُها على البحرِ، قال موسى بعَصاه على الحِيطانِ هكذا، فصار فيها كِواءٌ (٤) يَنْظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ.


(١) الرهج: الغبار. اللسان (ر هـ ج).
(٢) رهق فلان فلانا: تبعه فقارب أن يلحقه. اللسان (ر هـ ق).
(٣) في م: "فثاب".
(٤) في م: كوى. وكِواء وكُوًى: جمع كُوَّة، وهى الخرق في الحائط. اللسان (ك و ى).