للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدينةَ، فإذا هو برجلٍ قد اجتَمع عليه الناسُ، فقال: مَن هذا؟ فقالوا: أبو هريرةَ. فدَنَوتُ منه حتى قعَدتُ بين يديه وهو يحدِّثُ الناسَ، فلما سَكَتَ وخَلَا (١)، قلتُ: أنشُدُك بحقِّ وبحقِّ لمَا حدَّثْتَني حديثًا سمِعتَه مِن رسولِ اللَّهِ عَقَلْتَه وعَلِمْتَه. قال: فقال أبو هريرةَ: أفعَلُ، لأُحدثنَّك حديثًا حدَّثنيه رسولُ اللَّهِ . [ثم نَشَغَ نَشْغَةً (٢)، ثم أفاقَ، فقال: لأُحدثنَّك حديثًا حدَّثنيه رسولُ اللَّهِ ] (٣) في هذا البيتِ، ما فيه أحدٌ غيرى وغيرُه. ثم نَشَغَ أبو هريرةَ نشْغةً شديدةً، ثم مالَ (٤) خارًّا على وجهِه، واشتدَّ به طويلًا، ثم أفاقَ، فقال: حدَّثني رسولُ اللَّهِ : "إن اللَّهَ إذا كان يومُ القيامةِ نزَل إلى أهلِ (٥) القيامةِ ليقضِيَ بينَهم، وكلُّ أُمةٍ جاثيةٌ، فأَوَّلُ مَن يُدْعَى به رجلٌ جمَع القرآنَ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ اللَّهُ للقارِئِ: ألم أُعَلِّمْك ما أنزَلتُ على رَسولي؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عمِلتَ فيما عُلِّمتَ؟ قال: كنتُ أقومُ آناء الليلِ وآناءَ النهارِ. فيقولُ اللَّهُ له: كَذَبْتَ. وتقولُ له الملائكةُ: كَذَبْتَ. ويقولُ اللَّهُ له (٦): بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ قارئٌ. فقد قيلَ ذلك. ويُؤْتَى بصاحبِ المالِ، فيقولُ اللَّهُ له: ألم أوسِّعْ عليك حتى لم أدعْك تحتاج إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عَمِلتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أَصِلُ الرحِمَ وأتصدَّقُ. فيقولُ اللَّهُ له: كذَبْتَ. وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ. ويقولُ اللَّهُ له: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جَوَادٌ. فقد قيلَ ذلك. ويؤتى


(١) في م: "خلى".
(٢) نشغ نشغة: شهق وغشى عليه والنشغ: الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشى. وإنما يفعل الإنسان ذلك تشوقًا إلى شيء فائت وأسفًا عليه. النهاية ٥/ ٥٨.
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "قال".
(٥) سقط من: ص، ت ١، س، ف، وفي ت ٢: "يوم".
(٦) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، ف.