للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إيمانُ اليهودِ والنصارى والصابئين، فالتصديقُ بمحمدٍ ، وبما جاء به، فمَن يُؤْمِنْ منهم بمحمدٍ وبما جاء به واليومِ الآخرِ، ويَعْمَلْ صالحًا، فلم يُبَدِّلْ ولم يُغَيِّرْ، حتى تُوُفِّى على ذلك كلِّه (١)، فله ثوابُ عملِه وأجرُه عندَ ربِّه، كما وصَف جلَّ ثناؤُه.

فإن قال قائلٌ: وكيف قال: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾. وإنما لفظُ ﴿مَنْ﴾ لفظُ واحدٍ، والفعلُ معه مُوَحَّدٌ؟

قيل: إنَّ "مَن"، وإن كان الذي يليه مِن الفعلِ مُوَحَّدًا، فإن له معنى الواحدِ والاثنين والجمعِ، والتذكيرِ والتأنيثِ؛ لأنه في كلِّ هذه الأحوالِ على هيئةٍ واحدةٍ وصورةٍ واحدةٍ لا يَتَغَيَّرُ، فالعربُ تُوَحِّدُ معه الفعلَ وإن كان في معنى جَمْعٍ، للفظِه، وتَجْمَعُ أخرى معه الفعلَ لمعناه، كما قال تعالى ذكرُه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يونس: ٤٢، ٤٣]. فجمَع مرةً مع ﴿مَنْ﴾ الفعلَ لمعناه، ووحَّد أخرى معه الفعلَ، لأنه في لفظِ واحدٍ (٢)، كما قال الشاعرُ (٣):

ألِمَّا (٤) بسَلْمَى عنهما إنْ عرَضْتُما … وقُولَا لها عُوجِى على مَن تَخَلَّفوا

فقال: تخَلَّفوا. فجمَع (٥)، وجعَل "مَن" بمنزلةِ "الذين". قال الفَرَزْدَقُ (٦):


(١) سقط من ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في م، ت ١، ت ٢: "الواحد".
(٣) البيت لامرئ القيس، وهو في الديوان ص ٣٢٤ من قصيدة له، ويقال أيضًا: إنها لرجل من كندة.
(٤) الإلمام: الزيارة في الأحايين. اللسان (ل م م).
(٥) سقط من: م.
(٦) ديوانه ص ٨٧٠.