للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تَعالَ فإن عاهَدْتَنى] (١) لا تَخُونُني … نَكُنْ مثلَ مَن يا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ

فثنَّى "يصطحبان" لمعنى "مَن". فكذلك قولُه: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾. وحَّد ﴿آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ للفظِ ﴿مَنْ﴾، وجمَع ذكْرَهم في قولِه: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ لمعناه؛ لأنه في معنى جمعٍ.

وأما قولُه: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. فإنه يعني به جلَّ ذكرُه: ولا خوفٌ عليهم فيما قدِموا عليه مِن أهوالِ القيامةِ، ولا هم يَحْزَنون على ما خلَّفوا وراءَهم مِن الدنيا وعيشِها، عندَ مُعاينتِهم ما أعَدَّ اللهُ لهم مِن الثوابِ والنَّعيمِ المُقيمِ عندَه.

ذكْرُ مَن قال: عُنِى بقولِه: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾. مؤمنو أهلِ الكتابِ الذين أدْرَكوا رسولَ اللهِ :

حدَّثنى موسى بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: حدَّثنا أسْباطُ، عن السُّدِّىِّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ الآية. قال: نزَلَت هذه الآيةُ في أصحابِ سَلْمانَ الفارسيِّ، وكان سلمانُ رجلًا مِن جُنْدَيْسَابُورَ (٢)، وكان مِن أشرافِهم، وكان ابنُ الملكِ صديقًا له مؤاخيًا، لا يقضي واحدٌ منهما أمرًا دونَ صاحبِه، وكانا يَركبانِ (٣) إلى الصيدِ جميعًا، فبينما هما في الصيدِ إذ رُفِع لهما بيتٌ مِن عَباءٍ (٤)، فأتَياه فإذا هما فيه برجلٍ بينَ يديه مُصْحفٌ يَقرَأُ فيه وهو يَبْكِى،


(١) في الديوان: "تعش فإن واثقتنى".
(٢) في م: "جندا يسابور". وجنديسابور: من بلاد فارس. ينظر معجم ما استعجم ٢/ ٣٩٧.
(٣) في الأصل: "يركنان".
(٤) في م: "خباء". والعباء: ضرب من الأكسية فيه خطوط. تاج العروس (ع ب أ).