أن يرى الرائِي منهم في المنام ما على مسيرة سنةٍ، فكيف ما هو على مسيرة شهرٍ أو أقلَّ؟
وبعدُ، فإن الله إنما أخبرَ في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبِرْنا أنه أسرى برُوحِ عبدِه، وليس جائزًا لأحدٍ أن يتعدَّى ما قال الله إلى غيره.
فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك جائزٌ، إذ كانت العربُ تَفْعَلُ ذلك في كلامها، كما قال قائِلُهم (١):
حَسِبْتَ بُغَامَ رَاحِلَتي عَناقًا … وما هي وَيْبَ غيرك بالعَناقِ
يعني: حسبتَ بُغَامَ راحلَتى صوتَ عَنَاقٍ. فحذَف "الصوت" واكتفى منه بـ "العَناقِ"، فإن العرب تَفْعَلُ ذلك فيما كان مفهومًا مرادُ المتكلِّم منهم به من الكلام، فأما فيما لا دلالة عليه إلا بظهوره، ولا يُوصَلُ إلى معرفة مرادِ المتكلِّم إلا ببيانِه، فإنها لا تَحذِفُ ذلك، ولا دَلالَةَ تَدلُّ على أن مراد الله من قوله: ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾، أسرَى برُوح عبده. بل الأدلةُ الواضحةُ والأخبارُ المتتابعةُ عن نبيِّ الله ﷺ أن الله أسرَى به على دابَّةٍ يُقالُ لها: البراقُ. ولو كان الإسراءُ برُوحِه لم تكن الرُّوحُ محمولةً على البراقِ، إذ كانت الدوابُّ لا تحملُ إلا الأجسام، إلا أن يقول قائل: إنَّما معنى قولنا: أُسرِى برُوحه: رأى في المنام أنه أُسرى بجسده على البراق، فيُكذِّبَ حينئذٍ بمعنى الأخبار التي رُويتْ عن رسول الله ﷺ أن جبريل حمله على البراق؛ لأن ذلك إذا كان منامًا على قولِ قائلِ هذا القولِ، ولم تكنِ الروحُ عندَه مما تَركَبُ الدَّوابَّ، ولم يُحمل على البراق جسمُ النبيِّ ﷺ، لم يَكُن النبيُّ ﷺ، على قوله، حُمل على البراق؛ لا جسمُه ولا شيءٌ منه، وصار الأمرُ عندَه كبعض أحلام