للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحوله وقوَّتِه، ونحن وأنتم غافلون؟ فقال سنحاريبُ له: قد أتاني خبرُ ربِّكم، ونصرُه إيَّاكم، ورحمتُه التي رحِمكم بها قبل أن أَخرُجَ مِن بلادى، فلم أُطِعْ مُرشِدًا، ولم يُلْقِنى في الشِّقوة إلا قلَّةُ عقلى (١)، ولو سمعتُ أو عقَلتُ ما غزَوتُكم، ولكن الشِّقوة غلبَتْ عليّ وعلى من معى. فقال ملِكُ بني إسرائيل: الحمدُ للهِ ربِّ العزَّةِ الذي كفَانَاكم بما شاء، إن ربَّنا لم يُبقِك ومن معك لكرامةٍ بك عليه، ولكنه إنما أبقَاك ومَن معك لما هو شرٌّ لك، لتَزدَادوا شِقوةً في الدنيا، وعذابًا في الآخرة، ولتُخبروا من وراءكم بما لقيتُم مِن فعل ربِّنا، ولتُنذروا من بعدَكم، ولولا ذلك ما أبقَاكم، فلَدمُك ودمُ مَن معك أهونُ على اللهِ مِن دم قُرادٍ (٢) لو قتَلتُه. ثم إن ملِكَ بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامعَ، وطاف بهم سبعين يومًا حولَ بيت المقدس إيليا، وكان يرْزُقُهم في كلِّ يومٍ خُبْزَتين من شعيرٍ لكلِّ رجلٍ منهم، فقال سنحاريبُ لملك بني إسرائيل: القتلُ خيرٌ مما تَفْعَلُ بنا، فافعلْ ما أُمِرت. فأمَر (٣) بهم الملكُ إلى سجن القتل، فأوحى الله إلى شعيا النبيِّ أن قُلْ لملكِ بني إسرائيل يُرْسِلْ سنحاريبَ ومَن معه ليُنْذروا من وراءَهم، وليُكْرمْهم ويَحْمِلُهم حتى يَبْلُغوا بلادهم. فبلَّغ النبيُّ شعيا الملك ذلك، ففعَل، فخرَج سنحاريبُ ومَن معه حتى قدِموا بابلَ، فلما قَدِموا جمع الناسَ فأخبَرهم كيف فعل الله بجنوده، فقال له كهَّانُه وسَحَرتُه: يا ملكَ بابلَ، قد كنا نَقُصُّ عليك خبرَ ربِّهم وخبر نبيِّهم، ووَحْيَ اللهِ إلى نبيِّهم، فلم تُطِعْنا، وهى أمَّةٌ لا يَسْتَطيعُها أحدٌ من (٤) ربِّهم. فكان أمرُ سنحاريبَ مما خُوِّفوا، ثم


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "غفلتي".
(٢) القراد: دويبة متطفلة من المفصليات، ذات أربعة أزواج من الأرجل، تعيش على الدواب والطيور وتمتص دمها، ومنها أجناس، الواحدة قرادة. الوسيط (ق ر د).
(٣) في ص، ت ٢، ف: "ففعل"، وفى م: "فنقل"، وفى ت ١: "قال: فأمر". والمثبت من تاريخ المصنف.
(٤) في م: "مع".