للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدَّلالةُ على صحةِ ما قلْناه، مِن أن معنى قولِ النبيِّ : "نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". إنما هو أنه نزَل بسبعِ لغاتٍ، كما تقَدَّم ذكرُنا مِن الرواياتِ الثابتةِ عن عمرَ بنِ الخطابِ، وعبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، وأُبيِّ بنِ كعبٍ، وسائرِ مَن قد قدَّمْنا الروايةَ عنه عن النبيِّ في أولِ هذا البابِ، أنهم تَمارَوْا في القرآنِ، فخالَف بعضُهم بعضًا في نفسِ التلاوةِ، دون ما في ذلك مِن المعاني، وأنهم احْتَكَموا فيه إلى النبيِّ ، فاسْتَقْرَأ كلَّ رجلٍ منهم، ثم صوَّب جميعَهم في قراءتِهم على اختلافِها، حتى ارْتاب بعضُهم لتصويبِه إياهم، فقال للذي ارتاب منهم عندَ تصويبِه جميعَهم: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ".

ومعلومٌ أن تَمارِيَهم فيما تَمارَوْا فيه مِن ذلك، لو كان تَماريًا واختلافًا فيما دلَّت عليه تِلاواتُهم (١)؛ مِن التحليلِ والتحريمِ، والوعدِ والوَعيدِ، وما أشبهَ ذلك، لكان مستحيلًا أن يُصَوِّبَ (٢) جميعَهم ، ويَأْمُرَ (٣) كلَّ قارئٍ منهم أن يَلْزَمَ قراءتَه في ذلك على النحوِ الذي هو عليه؛ لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحًا وجَب أن يَكونَ اللَّهُ جل ثناؤه قد أمَر بفعلِ شيءٍ بعينِه، وفرَضه في تلاوةِ مَن دلَّت تلاوتُه على فرضِه، ونهَى عن فعلِ ذلك الشيءِ بعينِه وزجَر عنه في تلاوةِ الذي دلَّت تلاوتُه على النهيِ والزجرِ عنه، وأباح وأطْلَق فِعْلَ ذلك الشيءِ بعينِه، وجعَل لمن شاء مِن عبادِه أن يَفْعَلَه فِعْلَه، ولمن شاء منهم أن يَتْرُكَه تَرْكَه، في تلاوةِ مَن دلَّت تلاوتُه على (٤) التخييرِ!

وذلك مِن قائلِه - إن قاله - إثباتُ ما قد نفَى اللَّهُ جَلّ ثناؤه عن تنزيلِه وحكمِ


(١) في ت ٢: "تلاوتهم".
(٢) في ت ٢: "تصوب".
(٣) في ت ٢: "تأمر".
(٤) في م، ت ٢: "عن".