للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأُخْرى (١)، أنَّ الذين تَمارَوْا فيما تمارَوْا فيه مِن قراءتِهم (٢) فاحْتَكموا إلى النبيِّ ، لم يَكُنْ مُنْكَرًا عندَ أحدٍ منهم أن يَأْمُرَ اللَّهُ عبادَه جل ثناؤه في كتابِه وتنزيلِه بما شاء، ويَنْهَى عما شاء، ويَعِدَ فيما أحبَّ مِن طاعاتِه، ويُوعِدَ على مَعاصِيه، ويَحْتِمَ (٣) لنبيِّه ويَعِظَه (٤) فيه، ويَضْرِبَ فيه لعبادِه الأمثالَ، فيُخاصِمَ غيرَه على إنكارِه سماعَ ذلك مِن قارئِه؛ بل على الإقرارِ بذلك كلِّه كان إسلامُ مَن أسْلَم منهم. فما الوجهُ الذي أوْجَب له إنكارَ ما أنكر، إن لم يَكُنْ كان ذلك اختلافًا منهم في الألفاظِ واللغاتِ؟

وبعدُ، فقد أبان صحةَ ما قلنا الخبرُ عن رسولِ اللَّهِ نصًّا، وذلك الخبرُ الذي ذكَرْنا (٥): أن أبا كُرَيْبٍ حدَّثنا، قال: حدَّثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، عن حمادِ بنِ سلمةَ، عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بَكْرةَ، عن أبيه، قال: قال رسولُ اللَّهِ : "قَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ مِيَكائِيلُ: اسْتَزِدْه. فقال: على حَرْفَيْنِ. حَتَّى بَلَغَ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، فقال: كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ يَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ، كقَوْلِكَ: هَلُمَّ وَتَعَالَ".

فقد أوْضَح نصُّ هذا الخبرِ أن اختلافَ الأحرفِ السبعةِ إنما هو اختلافُ ألفاظٍ، كقولِك: هَلُمَّ وتعال. باتفاقِ المعاني، لا باختلافِ معانٍ مُوجِبةٍ اختلافَ أحكامٍ، وبمثلِ الذي قلْنا في ذلك صحَّت (٦) الأخبارُ عن جماعةٍ مِن


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢: "أحرى".
(٢) في ص: "قراءاتهم".
(٣) في ر، م: "يحتج".
(٤) في ر، ت ١: "يعظ"، وفي ت ٢: "بعضا".
(٥) تقدم في ص ٣٨.
(٦) بعده في ص، ت ١: "به".